مفاوضات السويد والضغوط البريطانية
 

محمد طاهر أنعم

محمد طاهر أنعم / لا ميديا

تقوم بريطانيا بدور كبير وملحوظ في الدفع نحو استئناف المفاوضات اليمنية اليمنية في مدينة ستوكهولم السويدية، في الأيام القادمة.
الدور البريطاني بدا لافتاً للنظر من نواحٍ متعددة، من أبرزها أنه دور ليس متسقاً مع الرغبات السعودية والإماراتية في استمرار معركة الحديدة لأطول أجل ممكن، ومحاولاتهم الدفع بعشرات آلاف المرتزقة الجنوبيين والسودانيين وغيرهم لاقتحام المدينة واستهداف الميناء.
وليس متسقاً بالتالي مع التوجه السعودي الإماراتي لإطالة أمد الحرب في اليمن إلى ما لا نهاية، باعتبارها سياسة سعودية وإماراتية كما يبدو، معتمدة على الدعم الأمريكي المطلق والقدرات المالية الكبيرة.
وليس متسقاً بالطبع كذلك مع رغبة ما تسمى (الشرعية اليمنية) التي لا تريد توقف الحرب أبداً في اليمن، لأن مصالح قيادات (الشرعية) هي في استمرار تلك الحرب فقط.
وهذا التوجه البريطاني غريب وشديد التعقيد، ولابد أن له أسباباً مهمة وجوهرية لدى هذه الدولة المعروفة بخبرتها الاستعمارية الكبيرة في الشرق الأوسط، وفي المنطقة العربية بشكل خاص.
حيث إن المعروف أن الموقف البريطاني قريب في أوقات كثيرة من الموقف الأمريكي في قضايا المنطقة والموقف من السعودية، وإن كانت بريطانيا أقرب للإمارات وتوجهاتها بخلاف السعودية التي تكون أقرب للولايات المتحدة، ولكن خبراء السياسة لهم توجه آخر، وهو توجه قائم على تحليل التوجهات البريطانية السياسية منذ عقود كثيرة.
حيث إن لبريطانيا أحياناً مواقف مختلفة عن أمريكا، بل هناك تيارات داخل الأسر الحاكمة والسلطات في السعودية وغيرها تتأرجح بين الولاء لأمريكا أو بريطانيا، ولهذا علاقة بالولاء لاستخبارات تلك الدول وتوجهاتها، والتي تتشابه أحياناً وتختلف أحياناً أخرى.
ففي حين أن الملك فيصل بن عبدالعزيز كان ولاؤه بريطانياً ولا يتفق أحياناً مع أمريكا، فإن فهد ومن بعده كان ولاؤهم لأمريكا بشكل أعمى، وحتى الآن توجد أجنحة مع تلك الدولة، وأجنحة مع أخرى داخل الأسرة السعودية الحاكمة.
ويبدو أن التوجه السعودي والإماراتي الأخير للتحالف الأعمى والمطلق مع السلطة الجديدة في الولايات المتحدة، أثار بعض حساسيات بريطانيا، وخاصة بعد تشكل تيار جديد في السلطة الأمريكية بعد وصول ترامب للرئاسة، يمكن تسميته التيار المتصهين، وهو تيار منشق عن تيار العولمة الذي كان يرتبط بالسياسة البريطانية المعروفة، ويختلف بالتالي عن تيار المجمع الصناعي العسكري الأمريكي الذي يتركز في وزارتي الدفاع والخزانة (المالية الأمريكية).
الحساسية البريطانية من التحالف السعودي الإماراتي المطلق مع التيار الجديد في السلطة الأمريكية، له دور في اتخاذ مواقف محرجة للسعودية والإمارات، ومحاولة تشريع قرار أو دعوة في مجلس الأمن لإيقاف الحرب، وقد وقفت الولايات المتحدة معيقاً لهذا القرار أو الدعوة، ومطالبة بتأجيلها لوقت لاحق.
وكل هذه الإشكالات يجب فهمها والغوص في دراستها من قبل السلطة السياسية في اليمن، للاستفادة منها بقدر الممكن، والمتفق مع المبادئ والمصالح اليمنية، وعدم التعامل بأسلوب الأبيض والأسود الذي تضيع معه كل الفرص السياسية، ويجعل السلطة تحارب جميع الأعداء وتخبط في كل الاتجاهات.

أترك تعليقاً

التعليقات