محمد طاهر أنعم

المواجهات العنيفة التي حصلت في عدن بين فصيلين من فصائل المرتزقة لدول الخليج، ليست مجرد تنافس على المواقع والسيطرة فحسب، بل لها امتداداتها المناطقية والإقليمية، بل الأيديولوجية أيضاً.
وهذا ما يجعلها خطراً محدقاً لم ينتهِ بعد، بل إن ما جرى خلال الأسبوع الماضي هو رأس جبل الجليد الذي ما تزال معظم مساحته مختفية تحت الماء.
الصراع ليس بين ميsليشيا هادي والإصلاح (مرتزقة السعودية) وميليشيا المجلس الانتقالي الانفصالية (مرتزقة الإمارات) فقط، وإن كان هذا الصراع جزءاً مهماً مما جرى، لكن هناك خلفيات أخرى، نستخلصها في التالي:
أولاً: هو صراع تاريخي خطير بين المنتمين لمحافظات أبين وشبوة، ويشكلون معظم ميليشيا هادي، والمنتمين لمحافظات الضالع ولحج (الصبيحة ويافع)، والذين يشكلون معظم ميليشيا المجلس الانتقالي.
وهذا الانقسام له علاقة بأحداث 1986 في عدن، وما سبقها من توتر سياسي ومناطقي أيام الرئيس علي ناصر محمد، حين تكتل أصحاب يافع والضالع في معارضته، وتكتل أصحاب أبين معه باعتباره منهم، وكان عبدربه منصور هادي حينها في صفه، باعتباره نائب رئيس هيئة الأركان.
ذلك التوتر السياسي الذي بدأ بعد انقلاب علي ناصر على الرئيس عبدالفتاح إسماعيل سنة 80، ثم تفاقم بعد حصر علي ناصر لجميع السلطات في يده، ووصلت الأوضاع للأحداث الدموية في يناير 86، بمحاولة علي ناصر تصفية خصومه تصفية دموية في إحدى القاعات، ولم تنجح تلك المحاولة، مما أدى لانقلاب عكسي خسر فيه علي ناصر وأصحاب أبين مواقعهم، وفروا باتجاه اليمن الشمالي حينها.
واستمروا في تكتلهم في صنعاء حتى حانت فرصة حرب الوحدة سنة 1994، فعادوا إلى عدن للانتصار على خصومهم الذين سيطروا على الجنوب حتى تحقيق الوحدة سنة 90، ثم محاولتهم الانفصال في 93 للعودة لدولة تحت سيطرتهم وحكمهم.
عموماً، ما يجري اليوم يشبه ما كان يجري في ذلك الوقت، وبنفس الاصطفافات التاريخية قبل 30 سنة، وهذا مؤشر خطر كبير، ونار تحت الرماد.
ثانياً: كما أن التباين بين مشروعي السعودية والإمارات في اليمن، له انعكاسه كذلك على الوضع، وهو وإن لم يصل إلى درجة الصدام بين الدولتين الحليفتين، لكنه تطور ووصل إلى درجة الصراع  المباشر بين أدوات الدولتين، وهي مرحلة متقدمة تحاول تلك الدول التغطية عليها بإرسال لجان تهدئة إلى عدن، ولكن الخلاف أكبر مما يمكن السيطرة عليه.
ثالثاً: وهناك بعد أيديولوجي أيضاً في صدامات عدن، وهو رفض كثير من القوى هناك لجماعة الإخوان المسلمين وتصرفاتها المعهودة في التغلغل الناعم في أجهزة الدولة، بما فيها الجيش ومؤسسة الرئاسة، وهي تصرفات كانت ناجحة قبل عقد أو عقدين من الزمن في عدة دول، ولكنها باتت منذ ثورة يناير 2011 في مصر واضحة، وتؤدي لتوتر كثير من الشعوب والقوى السياسية والشعبية في معظم الدول العربية والإسلامية، والرفض الجنوبي لتلك التصرفات هو جزء من ذلك الرفض.

أترك تعليقاً

التعليقات