شوية كرامة بس!
 

علي عطروس

علي عطروس / لا ميديا -
«بس ناقصنا شوية كرامة يا أبي» جملة لخص فيها الكبيران محمد الماغوط ودريد لحام، وفي ذروة مسرحية «كأسك يا وطن»، مآل العرب أمام حالاتهم المخزية وأحوالهم المهينة وبمواجهة ذلهم وهوانهم. فبرغم امتلاكهم للجغرافيا الخاصة والديموغرافيا الضاجة والثروة الهائلة والتراث المهول، إلا أن (عرب الإفرنج) ظلوا عرايا أمام مرآة التاريخ لعقود ممتدة من النكبة حتى النكسة، مروراً بالنخاسة والخيانة والعمالة والتصهين. ليس هذا جلداً للذات، فقد آمنت مبكراً بما حدثني به أحد أعقل المجانين: «إن كان اليمنيون هم أصل العرب، فما أصل اليمنيين؟!»، ليجيب: «العرب جمع تكسير، أما اليمنيون فجمع مذكر سالم. ولقد قسم الأنثروبولجيون القدامى العرب إلى: بائدة وعاربة ومستعربة فيما الحقيقة هي ألا عرب حقيقيين سوى اليمنيين، أما البقية فبقايا حروب وبغايا معارك».
قد يكون ما سبق قاسياً؛ ولكن قياساً على تجارب محسوسة وملموسة فلا ضير أن نسلخ جلود هؤلاء المحسوبين علينا، فإنهم لا يشعرون. وقد يكون المصطلح «عرب» مراوغاً بين قواميس اللغة وجواميس الاصطلاح؛ غير أن ما يحدث للفلسطينيين اليوم من مجازر منقولة على الهواء مباشرة هو ما يضع حداً لتلك المراوغة بين جد اللحظة ولعب الحظ. فمع الأيام الأولى لبداية العدوان الأمريكي الصهيوني على غزة خرجت المظاهرات في هذه العاصمة وتلك، ثم خفّت فخبت واختفت تظاهرات أعراب المائتي مليون. لا تبرِّرْ لي بقمع ومنع الأنظمة، التي بدورها لا يكفي الليل بأكمله لهجائها ولعنها! ولا تفسِّرْ لي قعودك عن النصرة بجلوسك أمام شاشة اللابتوب «مؤنترا» منشورات تعازٍ أو أمام شاشة التلفاز متحسراً مما يرد في عواجل المجازر والمذابح، ولن يكفيك مد كفيك بالدعاء، ففي ما تعمله النساء كفاية عنك وأكثر!
هل تنتظر هذه «الشعوب» بين مزدوجين اليهودي برنارد ليفي والصهيوني وائل غنيم والدونمية توكل كرمان وزنانير «الجزيرة» ودنانير شيلوك الإعرابي، ليأمروهم بالخروج، كما فعلوا سابقاً، وليكن إما «نصف ربيعٍ آخر» وإما «الخريف الأخير»؟!
يقول المناضل الأممي القومي الراحل أنيس النقاش: فلـ»يستبضع العرب من جيرانهم الرجولة لعلها تصيبهم كما كان يفعل بعض أسلافهم الجاهليين». أما أنا فأقول إن كروموسومات الكرامة لا تباع ولا تشترى، بل تُخلق من بين أصلاب الوراثة كرامة، ومن بين ترائب الاكتساب شهامة. أما أولئك (المتعربين) فقد صاروا خليطاً ناتجاً ومازجاً بين حابل المارّون مع نابل العابرون، فكان أن باتوا ما هم عليه اليوم: عيوناً زرقاً وبشرة ملونة ودشداشات وكروشاً وقروشاً وبلا كرامة ولا حتى رتوش.
لن ينسى الزمن ما قاله السيد حسن نصرالله مع بداية العدوان الصهيوني على اليمن رداً على سردية المجوس السعودية: «إن لم يكن اليمنيون هم العرب فمن العرب؟!».
ومن ينسَ وأراد أن يتذكر فليتحسس نطقه، وليتلمس نطفته، وليخرس إلى أن تأتيه بشارة تركي الشيخ بوجبة «ماكدونالدز» مخفضة خافضة، أو أن يُسمعه نباح كلاب السفاري صوت الصحراء الصفراء يعوي في خوائه: بكم النفط اليوم؟!
لن توأد غزة، ولن يُباد الفلسطينيون؛ ولكن هلك «العرّيبة»، كما كان آباؤنا يصفونهم بدقة ويوصّفونهم بعناية، وسيبقى اليمنيون الأرقَّ قلوبا والألينَ أفئدة وأولي البأس الشديد أيضاً.
ولكن هل اليمنيون جميعهم سواء؟!!
في الحقيقة فإن الصيغة الجمعية المصبوغة بها مفردات هذه المقالة تفيد الكثرة والأغلبية، وليس الجمع أو الكل. فمن بين ظهرانينا ومن أبناء جلدتنا أناسٌ تصهينوا وتأسرلت بنادقهم بعد أن فسدت قلوبهم، يبيعون بلادهم اليمن بالريال والدرهم، فهل لا يبايعون على فلسطين بالدولار والشيكل؟!
يعرضون خدماتهم المخزية للصهاينة على طول خط العمالة والخيانة. رشاد العليمي وعيدروس الزُبيدي وطارق عفاش... يقفون اليوم موقفهم أمس، ويعرضون خزيهم خدمات بنادق مؤجرة لحماية صهاينة «تل أبيب»، ويحشدون في سواحل اليمن الغربية والشرقية لضمان عبور سفن القتلة مضائق البحر واليمنيين الأقحاح؛ ولكن هيهات؛ فمن عجز عن إعادة أهله و»حريمه» من دبي وأبوظبي سيكون أعجز عن إرجاع رجال اليمن عن البر بيمينهم التي أقسموا بها وفاءً للفلسطينيين وعهداً من بعد قائدهم: «لستم وحدكم. وسننكل بالصهاينة».
حين يتوسد اليمانيون الجبل سيسدد الله الرمي في البحر والجو والبر. وحين «يخسف الحفاة بسفن العدو فعلى الأحذية أن تموت غيظاً». هكذا نهتف خلف صلاح الدكاك، ومن بيروت إلى صنعاء.

أترك تعليقاً

التعليقات