ما شي من رداع لبن!
 

علي عطروس

علي عطروس / لا ميديا -
لا ولم ولن أكون مناطقياً أو عنصرياً أو مذهبياً أو عرقياً أو جهوياً لا سمح الله؛ غير أن ذلك لا يعفيني من سرد تاريخي موضوعي/ ذاتي قد يتهمني به البعض ببعض أو بكل ما نفيته أعلاه، وسأظل أرفضه ما حييت، ولا يهمني أن يكون البعض ينظر إلى الأشياء بطبيعته لا بطبيعتها، ولن أكترث بمن في قلوبهم مرضٌ فزادهم الله مرضاً.
عموماً سأحاول الاختصار قدر الإمكان، ولن أتحدث عن بلاد رداع جغرافياً، والتي كانت حدودها الإدارية تمتد من الجوبة في مأرب وحتى الرضمة في إب، ومن بلاد المشرق حتى وصابين ذمار؛ ولا تاريخياً حيث كانت مدينة رداع عاصمة لدولٍ وممالك وسلطنات ذُكرت في أشهر نقشٍ سبئيٍ معروف في القرن السابع قبل الميلاد (نقش النصر)؛ ولن أروي عن آثارها ومآثرها الأركيولوجية والحضارية ما بين قلاعٍ وحصونٍ وسدودٍ ومدنٍ ومساجد وقصور ودور وأنفاق وخلاوٍ، ولا عن أثرها وتأثيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ولن أحكي عن رجالها ورجالاتها، ولا عن أيامها وملاحمها، ولا عن أساطيرها وأساطينها، ولا عن علمائها وشعرائها وأدبائها ومثقفيها وشيوخها ومشائخها ورياضييها ومبدعيها وتجارها ورجال أعمالها...
لن آتي إلا على بعض ماضيها، وسأسأل استفهاماً عن حاضرها وأتساءل استنكاراً عن مضارعها: أين رداع من خارطة الآن وخريطة الأوان؟!
رداع، التي جغرف ابنها أحمد بن عيسى الرداعي «صفة جزيرة العرب» للهمداني، وأرخ ملكها شمر يهرعش ممالك سبأ وحِمْيَر، وسطر سلطانها عامر بن عبدالوهاب عامريتها، وخلد أسطورة الشعر الشعبي أحمد بن أحمد الشبثي، فخرها ومفاخرها... هي رداع التي كان منها علي الأحمدي، أول وزير إعلام بعد 26 سبتمبر في صنعاء، ومحمود عشيش، أول وزير للوحدة بعد الاستقلال في عدن... رداع التي أنجبت أعظم الشعراء (آل سحلول سابقاً) هي أيضاً التي ولدت أمين الجوفي وصالح الأحمدي وعبدالرقيب الوجيه لاحقاً... أهدت لليمنيين وللعالم الملاكم نسيم كشميم، هي التي تخلق في رحمها شهود الثورات وشهداء الجبهات. رداع التي شهدت أول حكم محلي واسع الصلاحيات منتصف ستينيات القرن الماضي، هي رداع التي هُمش ويهمش أبناؤها عن منظومات وأنظمة الحكم والحكومات. هي التي دفعت أثماناً باهظة من سمعة قبائلها ومن دماء أبنائها لقاء مواقفها ووقفاتها، حتى وصل الأمر بمنظومة الفساد البائد ونظام الوصاية الفاسد أن يقطع أوصالها ثاراتٍ ويمزع مفاصلها اغتيالات ويشرد أبناءها حرباً واغتراباً. كان «صالح» يتذرع لتطفيشهم بأنهم حركيون وناصريون، ويتعذر لتهميشهم بأنهم حمديون واشتراكيون، وهو الذي طوال ثلاثة عقود من حكمه لم يعين من كفاءاتهم وزيراً أو محافظاً أو قائداً، ولم تبن حكوماته المتلاحقة لأبنائهم مدرسةً أو مستشفى.
على فكرة كل مدارس رداع بنيت على نفقة رجال الأعمال من أبنائها (جمعان وأبو الرجال وجيد). أما مشاريع المياه والكهرباء والإسفلت والأرصفة الحجرية فكانت هباتٍ من حكومة هولندا «الشقيقة»!
أتمنى ألا يُفهم من كل السياق أني أطلب لأهل رداع قسماً وقسمةً من منظومة الحكم القائمة الآن، بل أطالب بإشراكهم في تحمل المسؤولية الثورية والتاريخية في هذه المرحلة اليمنية الفاصلة. لا يكفي تعيين المجاهد عبدالله إدريس محافظاً للبيضاء، وهو الجدير والمستحق لمنصبٍ أكبر من هذا، بل اشركوهم عسكرياً واشتركوا بهم سياسياً وشاركوهم اجتماعياً واشتبكوا معهم ثقافياً وإعلامياً.
بالمناسبة، وعلى ذكر الإعلام، يسألني أحدهم: أيش عنك أنت؟! ألا تستحق بعد ثلاثة عقود من العمل في الإعلام «الوطني» أن يكون لك إذاعة أو معك صحيفة أو لديك موقع خاص بك؟!
أجبته مبتسماً: على هذه الأرض ما يستحق «القناة»، مع الاعتذار للشاعر العظيم محمود درويش!

أترك تعليقاً

التعليقات