استهلال سيبراني
 

علي عطروس

علي عطروس / لا ميديا -
إن جرائم الاغتيالات السيبرانية الجماعية التي نفّذها الكيان الصهيوني في لبنان لن تكون هي كلمة الفصل، فهذه الاغتيالات فتحت كل العيون والعقول في المنطقة على حقيقة قرب نهاية عصر الحروب الكلاسيكية وبداية عصر الحروب السيبرانية التي هي -وفق كل المقاييس- حرب وجودية من الدرجة الأولى. ولن تكون تلك الخطوة «الإسرائيلية» بأي حال طريقاً باتجاه واحد؛ أي فقط من «إسرائيل» ضد أعدائها؛ فهؤلاء «الأعداء» وبعد المجزرة التكنولوجية الجماعية التي ارتكبتها «تل أبيب» في لبنان لم يعد أمامهم من خيار هم أيضاً سوى خوض غمار الحرب السيبرانية، وهذا أمر ليس بالصعب؛ لأن ثورة المعلومات باتت تنتقل بكبسة «فارة» واحدة وبسرعة الضوء من مكان إلى آخر.
لم ولن يعود الأمر مقتصراً على الاغتيالات الفردية أو الجماعية، بل ستكون الأهداف لا نهائية، وممتدة من أجهزة الاتصالات السلكية واللاسلكية وشبكات الكهرباء والماء ومحطات تحلية المياه والطاقة النووية إلى المصانع والمجمعات والجامعات... المعتمدة كلها على ثورة المعلومات، وإلى أنظمة الاتصالات وكومبيوترات المصارف والبورصات والأسواق المالية والجامعات ومراكز الأبحاث وشبكات الكهرباء وشركات الخطوط الجوية ووسائل النقل العام وحتى أجهزة الصواريخ...
في خطاب الناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، بمناسبة الذكرى الأولى لملحمة «طوفان الأقصى»، الذي دعا فيه إلى شن حرب سيبرانية على العدو الصهيوني، يشير تاريخ المناسبة العظيمة إلى أن «الطوفان» كان نصراً سيبرانياً في المقام الأول، في مقابل الاستدراك الموجع لما ارتكبه الكيان المجرم من مجازر تفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكي بحق المدنيين في لبنان وما لحقها حتى الآن من اغتيالات لقادة المقاومة، وعلى رأسهم سماحة السيد الشهيد، حسن نصر الله رضوان الله عليه، وهو ما يفتح مرحلة جديدة وطويلة وقاسية من الصراع مع التحالف الصهيو – صليبي، وسيحتاج الأمر إلى موازين قوى تأخذ بالاعتبار الموارد غير المنظورة للصراعات السيبرانية والمعلوماتية المضلّلة، وكذلك النوعيات الممّيزة لحروب يقودها أو يشارك فيها الذكاء الاصطناعي (AI)، وهي بالمناسبة حروب مدمّرة ومزعزعة للاستقرار، ولا يمكن التكّهن بمفاعيلها ولا بتأثيراتها، وكل ذلك يجعل (AI) العسكري شبيهاً إلى حد كبير بالأسلحة البيولوجية والكيميائية التي تتمدد تأثيراتها بشكل غير مقصود إلى نواحٍ ومناطق مدنية ومعاقل عسكرية شاسعة.
في الملف التالي (جزأين) محاولة لفهم ما حدث وما يجري وما يُتوقع في القادم المنظور، جمعنا فيه مروحة واسعة من القصص الصحفية التي تتناول الحرب السيبرانية بين المقاومة والعدو في سياقاتها المعتمة ألماً وانكساراً، أو الملتمعة أملاً وانتصاراً، وفي امتداداتها التكتيكية أو ارتداداتها الاستراتيجية. فمرحباً بكم في العصر السيبراني.

أترك تعليقاً

التعليقات