«دون» و«بدون»!
 

علي عطروس

علي عطروس / لا ميديا -
ما تزال صفقة انتقال اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو إلى نادي النصر السعودي متصدرة ترند الخبر والجدل والنقاش، سواء من حيث قيمتها المالية أم من حيث دلالاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
ولنبدأ بعيداً عن الأقدام المتعلقة بهكذا وسم يتجاوز الكرة إلى لغة الأرقام ودلالات الصفقة الاقتصادية، حيث أفادت صحيفة «ماركا» الإسبانية بأن النادي السعودي رصد راتباً سنوياً إجمالياً للاعبه الجديد يزيد على 200 مليون يورو.
من جهتها قالت صحيفة «ريكورد» البرتغالية إن الصفقة تتقسّم إلى 70 مليون يورو كراتب سنوي ثابت، إلى جانب امتيازات مالية أخرى نظير استغلال علامة رونالدو التجارية وحقوق الاسم... فضلاً عن نشر الصور والتغريدات عبر صفحاته بمواقع التواصل الاجتماعي، ليصل العائد الإجمالي إلى 200 مليون يورو في السنة (214.04 مليون دولار). وأضافت الصحيفة البرتغالية أن رونالدو سينال مكافأة منفصلة جراء توقيعه، تبلغ 100 مليون يورو. هكذا، وبموجب العقد، سيتقاضى كريستيانو 6.5 يورو في الثانية الواحدة، ما يعكس مدى ضخامة الصفقة.
في مقابل كل هذه الأموال يقول تقرير لموقع «جول» إن «تأثير رونالدو حولنا جمعياً في العالمين الحقيقي والافتراضي، فهو يهيمن على وسائل التواصل الاجتماعي، ويمكنه التأثير حتى على سوق الأوراق المالية. إنه يُحدث تأثيراً فورياً؛ ولكنه يمكن أن يحقق فوائد طويلة الأجل أيضاً».
ومع ذلك، كما يقول ماركو بيليناتسو، مؤلف كتاب «نهاية كرة القدم الإيطالية» في وقت لعب رونالدو مع يوفنتوس الإيطالي: «تأثير رونالدو حقيقي. إنه موجود ليراه الجميع. لكن مشكلة يوفنتوس في هذا الوقت المبكر هي أنه يمكنك أيضاً رؤية زيادة في التكاليف، وليس فقط في الإيرادات».
ويضيف: «رونالدو رفع مكانة النادي خارج الملعب».
ومع ذلك، فشلت المشاريع المالية والرياضية للنادي، ولعبت الجائحة بلا شك دوراً كبيراً، حيث فقد يوفنتوس الملايين من إيرادات يوم المباراة.
وتعتبر تجربة يوفنتوس الفاشلة لرونالدو ذات صلة بالسعودية؛ لأنه رغم بعض الاختلافات المهمة؛ فإن هناك أوجه تشابه واضحة من حيث الأهداف، حيث كانت كلتا الصفقتين أكثر من مجرد نجاح رياضي.
إزاء هذا الترف النفطي والسرف الاعتباطي يرى المعارضون أن تبديد الأموال على الدعاية للنظام السعودي يمثّل فرصة ضائعة أخرى لاستغلال الفوائض المالية الناجمة عن الطفرة النفطية في تحقيق تنمية مستدامة أو على الأقل في التخفيف من آثار التضخّم العالمي على المواطنين عن طريق خفْض نسبة الضريبة على القيمة المضافة التي تبلغ 15 في المائة، وهي عالية بالمقاييس العالمية (إسبانيا غير المنتِجة للنفط ألغت أخيراً ضريبة القيمة المضافة على السلع الأساسية، دعماً للفقراء)، فضلاً عن البطالة التي بلغت نسبتها في الربع الثالث من العام الماضي 9.9 في المائة، وفق «الهيئة العامة للإحصاء» السعودية الرسمية.
وصنّف مؤشر الثروات والأصول «آركيدس» السعودية كأغنى دول الشرق الأوسط، حيث تصل ثروة الممتلكات المبنية فيها إلى 3.15 ترليون دولار. كما تمتلك المملكة، وهي أكبر مصدر للنفط في العالم، ما يتجاوز 500 مليار دولار من احتياطات النقد الأجنبي. فيما تشير منصة (TRT WORLD)، في تقرير لها في أيار/ مايو 2020، إلى أن «ثروة العائلة المالكة السعودية تبلغ 1.4 تريليون دولار، وهو ما يزيد 16 مرة عن ثروة العائلة المالكة البريطانية». إلا أن هذا القناع الذهبي الضخم الذي تطل فيه الرياض على الساحة الدولية، يخفي خلفه فقراً بلغت نسبته 25%.
وبحسب أطروحة دكتوراه في قسم الاقتصاد بجامعة هانوفر الألمانية، عام 2020، حول «الفقر في السعودية»، فإن «المحددات الرئيسية للفقر هي البطالة ومحدودية التعليم». إلى جانب ذلك، فإن كبر حجم الأسرة وعدم كفاية رأس المال يزيد خطر أن تصبح الأسرة فقيرة. وتشير الأطروحة إلى أن مدفوعات الرعاية الاجتماعية تنتشل ثلث الأسر الفقيرة من براثن الفقر. ومع ذلك، فإن حوالى 15% من الأسر الفقيرة لا تتلقى أي دعم. كما أن الأسر التي ليس لديها بطاقات هوية وطنية يتم استبعادها من الرعاية الاجتماعية.
بالتوازي كشفت صحيفة «وول ستريت» الأمريكية في مقال نشر الخميس 5 كانون الثاني/ يناير الجاري عن خسارة تاريخية تعرض لها ابن سلمان بسبب رغباته، التي بددت مليارات الدولارات من ثروات السعودية.
وقالت مصادر من داخل الحكومة ‎السعودية إن ابن سلمان اختار بنفسه العديد من الأسهم التي اشتراها صندوق الثروة السيادي، وتتبع عمليات الشراء من خلال لجنة خاصة به، وتجاوز قنوات صنع القرار الخاصة بالدولة.
وأشارت إلى أن المستشارين الذين يعملون مع صندوق الثروة السيادي في ‎السعودية أكدوا أن رغبات ابن سلمان الشخصية أثرت في الصفقات التي قام بها الصندوق؛ مثلا: اهتمام (مبس) بالسيارات الكهربائية جعله يضخ الأموال في شركة «لوسيد»، حيث اشترى 60٪ من أسهمها، بقيمة 7 مليارات دولار. وأضافت أنه لا توجد ضمانات مؤسسية تمنع ابن سلمان من التدخل في إجراءات الاستثمار التي يقوم بها صندوق الثروة السيادي في ‎السعودية.
ووفقاً للصحيفة فقد وجّه ابن سلمان صندوق الثروة السيادي للاستثمار في موقع التجارة الإلكترونية «نون»، وذلك وفقاً لمصالحه الخاصة، علماً أنه في العامين الماضيين تكبد «نون» خسائر قدرها 520 مليون دولار، وفقاً لبيانات نشرها الصندوق.
وأكدت الصحيفة أن أكبر رهانات ابن سلمان هو التزام بقيمة 45 مليار دولار لصندوق (SoftBank) في عام 2017، والذي واجه انتكاسات وخسائر في سوق شركات التكنولوجيا.
وقدم الخبراء الماليون في صندوق الثروة السيادي في ‎السعودية نصيحة لابن سلمان بعدم الاستثمار مرة أخرى في (SoftBank)، وشرحوا له الخسائر التي تكبدها من الاستثمار الأول؛ لكنه أصر على الاستثمار في صندق (Vision Fund) الثاني، في عام 2019.
سياسياً ستعود تلك الصفقة على نظام ابن سلمان بمكاسب على شكل تأييد شرائح كبيرة من الشباب السعودي؛ لكنها تحصل على حساب التنمية وتحدث من أجل الترويج السياسي عبر التبييض الرياضي، وتعكس رغبة السعودية، ومن خلفها الخليج ككل، في استثمار الرياضة كـ»قوّة ناعمة» لتعزيز النفوذ، كما تلمع الصورة، نتيجة الاتهامات الكثيرة بخرق حقوق الإنسان.
ونشرت صحيفة «الغارديان» البريطانيّة تقريراً موسعاً عما قالت إنه «محفظة السعودية المتنامية للغسيل الرياضي». وقال التقرير إن التعاقد مع رونالدو أبعد الأنظار عن عملية إعدام 147 شخصاً في السعودية نهاية العام الماضي بحسب المنظمة الأوروبية ـ السعودية لحقوق الإنسان. كما ساهم بتلميع صورة النظام السعودي المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، منها عملية تصفية الصحافي جمال خاشقجي في السفارة السعودية في إسطنبول عام 2018.
وبحسب الإعلام الأوروبي، والبريطاني تحديداً، فإن السعودية ليست البلد الوحيد الذي لجأ إلى هذا الأسلوب لتلميع الصورة، بل كذلك فعلت قطر عبر استثماراتها الرياضية في أوروبا، كما استضافتها نهائيات كأس العالم الأخيرة.
ولأن قطر نظّمت كأس العالم لكرة القدم دون أن تأبه للكلفة، التي بلغت 220 مليار دولار، تحاول السعودية الاستلحاق من خلال سلسلة صفقات شملت شراء نادي نيوكاسل، الذي أُغدقت عليه الأموال، فتَقدّم من مواقع متأخّرة في الدوري الإنكليزي إلى المركز الثالث، مطارداً مانشستر سيتي المملوك للإمارات، والذي يحتلّ المركز الثاني. كما انتقل المال السعودي إلى الدوري الإسباني من خلال تملُّك تركي آل الشيخ نادي ألميريا الصاعد حديثاً إلى «الليغا».
في المقابل تحفل تقارير مؤسّسات التصنيف العالمية وتقديرات خبراء الاقتصاد، بالكثير من الانتقادات للسياسات الاقتصادية الخليجية، التي لا تستغلّ الفوائض المالية في التنويع الاقتصادي، وهو ما يصيبها بتخلّف تنموي مزمن. ويَظهر هذا، مثلاً، في السيول التي تشهدها بعض المدن السعودية، وخاصة جدة ومكة، بين الفينة والأخرى.
وعن الترويج السياسي بمثل هكذا صفقات، يخلص تقرير موقع «جول» المشار إليه أعلاه إلى أنه «لن يُقاس نجاح هذه الخطوة بالأهداف أو الجوائز؛ ولكنه يتوقف على ما إذا كانت السعودية ستفوز بحق استضافة كأس العالم 2030، وهو ما تدور حوله هذه الصفقة حقاً، حيث كان رونالدو يلقي نظرة إيجابية على كرة القدم السعودية قبل التصويت في مؤتمر فيفا في غضون عامين».
وكانت تقارير قد أشارت إلى أن مصر والسعودية تستعدان لتقديم ملف قوي إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم، من أجل استضافة المحفل العالمي في الشرق الأوسط مرة أخرى عام 2030، خاصة بعد نجاح قطر في نسخة 2022.
وفي دلالة مائزة أخرى لهذه الصفقة، وتتصل بالشق الديني - الثقافي - الاجتماعي وتتعلق بسماح الرياض بإقامة عشيقة رونالدو جورجينا معه دون أي مانع، قال محاميان سعوديان إن السلطات السعودية لن تعارض أن يعيش رونالدو وعشيقته جورجينا رودريجيز تحت سقف واحد دون زواج بعد انتقاله للعب في نادي النصر السعودي.
ونقلت وكالة الأنباء الإسبانية «آفي» عن المحاميين المذكورين، المتخصصين في القانون المدني، قولهما: «إذا أراد الرفيقان كريستيانو وجورجينا العيش معنا فإن السلطات ستغض الطرف وتسمح لهما بذلك، رغم أن القوانين الإسلامية المطبقة في المملكة تحظر ذلك».
وأشار أحد المحاميين إلى أنه «رغم أن قوانين المملكة لا تزال تحظر المعاشرة بدون عقد زواج؛ إلا أن السلطات بدأت مؤخراً في غض الطرف وعدم اضطهاد أي شخص، رغم استخدام هذه القوانين عند وجود مشكلة أو جريمة».
ولفت الآخر إلى أنه فيما يتعلق بمسألة المعاشرة فإن السلطات السعودية «لم تعد تتدخل اليوم في هذا الأمر -بالنسبة للوافدين- رغم أن القانون يحظر المعاشرة دون زواج»، معقبا: «الشرطة لم تعد تحقق أو تضطهد أحداً».
ولدى جورجينا طفلان من رونالدو من دون زواج.
وفي النهاية ثمّة سؤال كبير يطرحه حسين إبراهيم في «الأخبار» اللبنانية، ويدور في الفضاء العالمي عن أخلاقيّة الصفقات الرياضية الكبيرة على الوجهَين، أي دول الخليج والرياضيين أنفسهم. فالعالم كلّه يعاني موجة ارتفاع أسعار أفْقرت الكثير من سكانه وأرهقت ميزانيات معظم عائلاته، في الوقت الذي يتفنّن فيه حكّام الخليج الذين أثروا على حساب هذا العالم، في تبذير الأموال على الدعاية لأنفسهم.

يُلقب اللاعب كريستيانو رونالدو بـ«الدون». أما البدون فإنهم فئة اجتماعية مهمشة في دول الخليج وخصوصاً الكويت.

أترك تعليقاً

التعليقات