مشاعر مرهفة..!
 

ابراهيم الوشلي

إبراهيم يحيى / لا ميديا -
بدأت أعتقد أن التمسك بالمناصب والكراسي من عاداتنا وتقاليدنا القديمة، فأنا لا أتذكر أن هناك رئيساً أو وزيراً أو أي مسؤول يمني قدم استقالته من منصبه بقناعة شخصية، ليتيح الفرصة للكفاءات الأخرى.
المشكلة هنا أننا أكثر الشعوب تمسكاً بالعادات والتقاليد، ما يجعل التخلص من هذه العادة السيئة صعباً للغاية.
إذا تم تكليف شخص برئاسة وزارة ما فاقرأوا الفاتحة على هذه الوزارة، ذلك أن الوزير نفسه يشعر تلقائياً أن الوزارة ملك شخصي له ولأحفاده من بعده، ويتحرك على هذا الأساس وهذه المشكلة متجذرة في مختلف الدوائر والمؤسسات الحكومية التي هي أصلاً “مواقع مسؤولية” كما يذكرنا سيد الثورة دائماً.
طبعاً، المسألة ليست حديثة العهد كما قلت، بل إن هذه العادة السيئة لم تُزرع إلا على يد الصريع عفاش ونظامه البائد، ونحن بدورنا تأقلمنا معها وتمسكنا بها بدلاً من التخلص منها.
طبعاً، ليس من الممكن أن نرى مسؤولاً فاسداً يقدم استقالته، والمصيبة الأكبر هنا أنه لن يجد شخصاً يحاسبه أو يقيله من منصبه، حتى وإن صار فساده مثبتاً بأدلة قاطعة.
هكذا تجري الأمور.. وإذا انتشرت جيفة أحد الفاسدين بين الناس وشعر المعنيون بالإحراج، فإن أقصى عقاب قد يتعرض له هو “التدوير الوظيفي”..!
الفاسد فاسد يا جماعة الخير، لماذا تخافون على مشاعره المرهفة؟ وما هي الفائدة من إقالته وتعيينه في مؤسسة أخرى؟
هناك ألف بديل للفاسد والفاشل أيها القوم، والجميع يعلم أن البلد مليئة بالطاقات والكفاءات المهملة والمهمشة.
إنني أشعر بالتفاؤل حين أتذكر أن العدوان يلفظ أنفاسه الأخيرة، وأن الحرب قاربت على الانتهاء.
ولكن عندما أستوعب أن الحكومة لن تتغير وأن تلك الوجوه نفسها باقية فإن الإحباط يقتلني.
طبعاً، مازلت أشعر بأن الحرب ستنتهي قريباً، ولذلك سأذكركم بشيء ما.
أيام الحرب العالمية الثانية كان الرجل العسكري “وينستون تشرشل” يقود حكومة المملكة المتحدة، وبمجرد انتهاء تلك الحرب تنحى “تشرشل” عن منصبه تلقائياً.
قالها للجميع بكل قناعة: الآن انتهى دوري، وحان الوقت لحكومة مدنية تنهض بالبلاد بعد الحرب.
لا تفهموني بشكل خاطئ أيها الناس، فأنا أكره “تشرشل” من أعماق قلبي، ولكن برغم أنه ذلك الرجل المعروف بشذوذه فإنه لم يتمسك بكرسي السلطة، وأفسح المجال لغيره من الطاقات والكفاءات.
المهم، أنا لا أنكر جهود المخلصين والكفاءات في حكومتنا الموقرة، خصوصاً بعد ثمان سنوات من الصمود في وجه أعتى عدوان على مر التاريخ، ولكن لا بد من تصحيح بعض السلبيات، مثل ثقافة التمسك بالمناصب.
لنبدأ بالأمر تدريجياً، مثلاً نجعل أول خطوة “إزالة الفاسدين نهائياً” بدلاً من تدويرهم وظيفياً.
وقد قالها السيد القائد أمام الملأ: “الفاسد اخلسوا ظهره”. ثم بعد ذلك نتعلم ثقافة التنازل عن الكرسي وإفساح المجال للآخرين، فنحن مقبلون على فترة ما بعد الحرب، ونريد أن نفسح المجال لليد التي ستبني.
مع خالص الامتنان لليد التي كانت وماتزال تحمي.

أترك تعليقاً

التعليقات