لو كان معي قلم!
 

ابراهيم الوشلي

إبراهيم الوشلي / #لا_ميديا -

أنا من أولئك الأشخاص العجيبين الغريبين، الذين يشترون قلماً كلما احتاجوا تدوين شيء ما، وكالعادة ما إن ينتهي القلم من مهمته حتى يختفي بسرعة البرق، ولا تستطيع أجهزة التعقب الحديثة أن تطارده في رحلاته العديدة.
آخر قلم اشتريته كتبت به رقم هاتف أحد الزملاء على عجل، وخلال ثوانٍ تلاشى واختفى، ربما سافر لزيارة جدته المدفونة في ضريحها البعيد.. وما المانع من أن تحظى الأقلام بجدات؟
قد تكون هذه الجدة ريشةً نُتفت من الجناح الأيسر لغراب مسكين، ثم توفيت في العصور الوسطى داخل محبرة خشبية دائرية، بعد أن أفنت حياتها في كتابة هواجس ملوك الإمبراطورية الرومانية المقدسة.
لا أحد يعلم أنني شخصياً أستهلك 8 أقلام خلال اختبارات نهاية كل ترم في الجامعة، فقد اعتدت على شراء قلم جديد قبل دخول قاعة الاختبار كل صباح، وفي إحدى المرات اضطررت لشراء القلم بآخر 100 ريال كنت أمتلكها حينها، وبعد أن أنهيت الاختبار ودعت القلم، وعدت إلى البيت مشياً على الأقدام، وأنا أرفع رأسي باعتزاز أمام أصحاب الحافلات.. لا قلم ولا 100.
رغم كل العجائب التي مررت بها، إلا أنني لم أتمنَّ في حياتي قلماً بقدر ما تمنيته اليوم، كنت مستعداً للتضحية بأي شيء في سبيل الحصول على قلم وورقة، لكن لا فائدة.
القصة يا صديقي أنني تشرفت مع أخي «عمرو» بزيارة صحيفة «لا» لأجل عمل ما، وقد تعرفت على بعض أفراد طاقمها الرائع، ثم دارت نقاشات عميقة جداً جداً، كانت ساعة مقيل تساوي دهراً من المتعة والفائدة.
بعد السلام وتبادل التحايا جلست في المكان المقابل لرئيس التحرير الأستاذ «صلاح الدكاك»، (طبعاً أنا صريح زيادة عن اللزوم) ولهذا سأخبرك ببساطة أنني لم أتخيله بهذا الشكل أبداً لا أدري لماذا كنت أعتقد أنني سأجد شخصاً منشغلاً جداً جداً جداً، وغاضباً جداً جداً جداً، بالكاد سنتصافح ليعود بعدها إلى انشغاله وغضبه من جديد، لكنني وجدت رجلاً في قمة التواضع والبشاشة واللطافة، يقابلك بابتسامة منيرة ويبادلك الأحاديث دون أن يشعرك بأنه منشغل بمتابعة أمور العدد الذي سيصدر بعد 15 ساعة.. سأكتفي بهذا لكي لا أمدحه في صحيفته فأدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأغبى مجامل أو مطبل كما يقولون، بينما لم أقل غير الحقيقة.
كان في المجلس أيضاً الأستاذ خالد حسان والأستاذ عبدالرحمن صدقي والأستاذ عبدالرقيب المجيدي والأستاذ طلال سفيان وثلة من الأحرار الرائعين.
استمتعت كثيراً بالنقاشات الواسعة التي امتلأ بها المكان، ففي الواقع لم أحظ بجلسة صحفية مثل هذه من قبل، أينما وليت وجهك تجد صحفياً يطرح رأيه في قضية معينة أشغلت العالم، كانت التحليلات والرؤى والتشخيصات تنسكب على الأرض من كثرتها.
أما أنا فكنت متفرجاً صامتاً، كأنني لم أجلب معي من البيت إلا بضع الكلمات «الله يحفظكم، الحمد لله، سلمت يا غالي».
ترى أحدهم يقول لي: تعتبر المخاوف والعقد النفسية السوداء التي تنمو في كينونة الواقع السياسي للأنظمة العربية الرخوة سبباً رئيساً في انتفاخ الرأس الصهيوني الذي سيُثقب بإبرة يوماً ما.
فأجيبه بكل بلاهة: الله يحفظكم، سلمت يا غالي.
لا تضحك أرجوك، فأنا لست متبلداً لهذه الدرجة، كل ما في الأمر أنني كنت شارد الذهن مشتت التفكير، أحاول لملمة الفلسفات الرائعة التي تفترش الأرض وتكديسها في الكيس البلاستيكي الأصفر الذي بحوزتي، وكم تمنيت الحصول على قلم وورقة لأسجل ما تيسر من تلك النقاشات، فمع كل دقيقة راودتني فكرة مقال نوعي، وللأسف نسيت كل تلك الأفكار وها أنا أكتب هذا المقال كنوع من الفضفضة وبث الشكوى، آه لو كان معي قلم.
لا تسألني لماذا لم أطلب القلم والورقة من طاقم الصحيفة، فبالتأكيد لم أكن أريد أن أبدو أمامهم إعلامياً فاشلاً يتجول في الأرجاء دون قلم، كل شيء إلَّا الكبرياء.
وكان باستطاعتي أيضاً حمل الهاتف وتدوين الأفكار في المذكرات، لكنني لا أريد أن أبدو أمامهم مراهقاً لعيناً مدمناً على الإنترنت وألعاب الفيديو.
جلستي الصحفية العظيمة ضاعت وذهبت أدراج الرياح، حين عدت إلى البيت لم أستطع أن أتذكر شيئاً من تلك المداخلات والآراء، فأناخ بي الحزن والبؤس لساعات طوال، ثم أتى المسخ «عادل الجبير» بتصريحه المائع ليزيد الطين بلة، وكأن ما ينقصني هو شاذ مثله ينطق بكلمة «الحوثيين»، ويتحدث عن الرجال بكل وقاحة.
سأختم المقال هنا دون أن أعلق على ذلك الكائن، فأمثاله لا يستحقون أن يكونوا موضوعاً لحديث صحفي، مكانهم الصحيح في المؤتمرات الطبية التي تعقد لمناقشة عملية التحول الجنسي، أو على الأقل في جمعيات دعم المثليين التي تم إنشاؤها في المملكة مؤخراً.. مكانهم هناك.

أترك تعليقاً

التعليقات