«أبو غريب» في مأرب
 

ابراهيم الوشلي

إبراهيم الوشلي / لا ميديا -

في أواخر عام 2014، وبعد انتصار ثورة الـ21 من أيلول المجيدة، اخترعت لنا أبواق العمالة موضوعاً تافهاً وجعلت منه قضية رأي عام، أشغلونا وصدعوا رؤوسنا بـ"قحصة شادي"، فوق الباصات وفي المقايل وعلى مواقع التواصل، الجميع يتحدث عن هذه القضية، والأغبياء يدعون أن الحوثيين المتوحشين اختطفوا كائناً "حداثياً" يدعى شادي خصروف، وقاموا بعضّه، وهات لك يا لبيج وبلبلة وافتراءات، حتى خاشقجي الذي قطعوه "لحم صغار" لم يحظ بهذا الاهتمام والضجيج، وبالفعل صارت هذه "القحصة" هي الجرم الأعظم والانتهاك الأسوأ لحقوق الإنسان عبر التاريخ، بالتأكيد لأنهم لم يسمحوا للتاريخ المسكين باجتياز أبواب جامعة الإيمان، ليرى من القبح والفظاعة ما يجعل الولدان شيباً، ولكن اليوم بعد أن تم الكشف عن السجون السرية والمعتقلات التابعة لتحالف الشر ومنافقيه، التي تتوزع ما بين عدن ومأرب والمهرة وبقية المحافظات المحتلة، أدركنا كم نحن مجحفون بحق "القحصة"، وكم كنا ظالمين بحق أنصار الله.
ولتفهم أكثر تخيل حياتك على هذا النحو: تعذيب في الليل وتعذيب في النهار، من أمامك ومن خلفك وعن يمينك وعن يسارك لا تجد إلا التعذيب، أحدهم يمد سلكاً يحمل مئات الفولتات من الكهرباء إلى جسمك، وآخر يستخدم في تعذيبك الحديد والنار، وثالثهم ينهال عليك بالضرب المبرح مستخدماً العصي والكابلات والهراوات وشتى أنواع الشتائم الخاصة "بعيال السوق"، والمرعب أن هذا كله يحدث وأنت معلق بالسلاسل الحديدية أو واقف على "علبة معدنية" صنعها اليهودي لحفظ الفول، فاستخدمها أولياؤه لتعذيب البشر.
هذا هو حال المخفيين قسراً خلف قضبان سجون "حزب الإصلاح" التابعة لتحالف العدوان الأرعن في محافظة مأرب، وبالطبع مادام فيها "إصلاح" فالاغتصابات تتصدر المشهد، لأن النظرية الزندانية تنص على أن هناك رابطة قوية بين "الإصلاحي" والاغتصاب، أينما وجدت هذا الكائن الطفيلي تجد قضايا اغتصاب.
ليس هذا وحسب، فأنا لم أذكر إلا شيئاً يسيراً من أفعال عديمي الإنسانية التي كشفها تحقيق مخيف نشرته الوسائل الإعلامية، إذا قرأت التحقيق سترتسم على وجهك عند كل حرف ملامح لا تنتهي من الصدمة والرعب الممزوج بالغضب.
هذه الانتهاكات التي تجاوزت بوحشيتها كل الأوصاف والمفردات، ليست مقتبسة من فيلم مرعب أنتجته "هوليوود"، بل هي أحداث واقعية تحدد مسارها سياسة العدوان الأمريكي السعودي، وتنفذها على الأرض أدواتهم الرخيصة والمجردة من كل المشاعر الإنسانية، إنها تلك الأدوات التي صجت آذاننا بكتب الفقه والحديث وموجبات دخول الجنة، والحقيقة أنها لا تفقه في الحياة شيئاً غير الإجرام والارتزاق وأساليب التعذيب والاضطهاد، ولو كان المسؤولون عن "أبو غريب" و"غوانتانامو" على علم بمواهب الإخوان المتأسلمين وأساليبهم المبتكرة، لاستعانوا بهم.
والفاجعة الكبرى أن هؤلاء المعتقلين في سجون مأرب ليسوا أسرى حرب، وإنما مواطنون أبرياء كانوا في طريقهم للسفر إلى الخارج بسبب إغلاق مطار صنعاء، فنالت منهم أحقاد الخونة واقتادتهم من النقاط إلى غياهب السجون المرعبة.
ختاماً، ورغم كل هذا، أي واحد اقتلب محامي خاص لشادي خصروف الله يسامحه، لكن لا سامح الله كل بطن أنجبت لنا أحد هذه الكائنات الطفيلية، لو أجهضت الجنين لكنا في خير، والله المستعان.

أترك تعليقاً

التعليقات