العـدوان الدرامــي
 

سرور عبدالله

سرور عـبدالله / لا ميديا -

لا شك أن جميعنا يحمل الكمية الوفيرة من الوعي، وله القدرة التي تمكنه من ممارسة الغوص في عمق محيطات التفكير، لاسيما إذا كان كل واحدٍ منا قد دجن سلاحه العقلي بذخيرة كافية من الاطلاع والتثقف من خلال السفر بين سطور الكتب المختلفة، والتنقل بين محطات الأشخاص، وخبر المواقف المتنوعة.
نعم إنها رحلة الوعي والبصيرة على متن هذه المسيرة القرآنية العظيمة التي توجهت بنا نحو ضفاف النور، آخذةً بمجاديف أعمارنا بعيداً عن ظلمات الجهل والرجعية والشتات، لنصبح بين كفيها قادرين على التمترس والثبات فوق قمم ومرتفعات التأمل، وتحليل الغايات من كل ما يدور من تغيرات على أرض الزمن الراهن.
هنا وبهذه الأحرف المتأسفة أجد مساحة ليتحدث قلمي خلالها باقتضاب عن التغيير -غير الإيجابي- الذي يجتهد في إحداثه إعلام العدوان ومرتزقته. هذا الإعلام يحاول بما أمكن له من الأفكار المُضللة، وبما في حوزته من الأموال المحرمة، أن يطمس كل معالم المجتمعات الإسلامية، ويمحو جُل الملامح الدينية، وكل الفضائل الأخلاقية والقيمية والإنسانية. هذا الإعلام لطالما كان هو المُشكل للعقبات والصانع للعثرات أمام كل الثورات ضد الظلم ورؤوس الهيمنة، وهو الذي هدم بعض روابط الفجر ومزق حبائل الوئام، ليبني عوضاً عنها جسوراً من الظلام بين مخططات شياطين السلطات وتلك الشعوب الضعيفة التي لا تجد ما تستند عليه من الوعي، عدا ما تتلقاه من الضياع والخداع.
يتم هذا بواسطة وسائل الإعلام، وخاصّة القنوات التلفزيونية غير المحلية والمحلية المعادية التي لاحظنا تزايدها غير المسبوق محشوة بعادات وتقاليد مستوردة من مجتمعات غربية لا صلة لها بواقع مجتمعاتنا، ولا بالدين الإسلامي الأصيل. وقد تم عبر هذه القنوات إنتاج برامج ومسلسلات تركز في محتواها بشكل أساسي بارز ومبطن على هدم القيم، وحذف مصطلح "الحشمة" من قاموس المرأة، والسعي لتحطيم الهوية الإيمانية بمعول المشاهد غير الأخلاقية التي تُبث، خصوصا في شهر رمضان المبارك.
ويلاحظ أيضاً أن كل ما تم بثه من مسلسلات أو برامج، سواء كانت على قنوات ارتزاقية أم على قنوات خليجية، جميعها تهدف إلى صرف الناس عن القضايا الدينية الإسلامية والوطنية، كقضية فلسطين ووجوب عدائنا للصهاينة باعتبارهم المدبر والمحرك والممول لكل ما يدور في العالم الإسلامي من قتل وظلم وتدمير، وكذلك قضية العدوان المتحالف معهم ضد يمننا الصامد (بفضل الله).
واسمحوا لي أن أقول: إن مالك الوسيلة الأوسع انتشاراً اليوم قد يكون الطرف المعادي للقيم، المحارب لها، وقد يكون هو الأكثر تغلغلاً في المجتمعات، ونفوذاً إليها، لأنه الأسرع نحو تنفيد ما لديه من غايات مفخخة بكل ما تنبذه الفطرة السوية، ما لم نعِ وندرك حجم ضرره ومقدار خطره ونحاول بكل ما أمكننا مواجهته ومكاشفة مآربه، وتحديه والتصدي له بالبدائل الإسلامية الصحيحة.
إننا أمام عدوان هو الأخبث على الإطلاق، كيف لا وقد تحالف مع شياطين الكوكب بجنسياتهم المختلفة (السعودية، الإماراتية، الصهيونية، الأمريكية) ذوات الوحشية التي لا حدود لها، وليس أمامنا إلا الجهاد ضدها. ويتجلى الخبث حين تتجلى أمامنا الصورة الدرامية التلفزيونية بوضوح، فتجدنا نشهد سلوكيات وأدوار شخصياتها ونتفكر في غاياتها.
وقد وَجَدَ العدوان في الدراما سلاحه للدخول إلى كل بيت. وإذا كان قد فشل فشلاً ذريعاً في جبهات القتال بالنار والرجال والسلاح الثقيل أمام رجال الله الواثقين بنصره وتأييده، فهو يظن بل ويؤمن أن الدراما قد تؤتي أُكلها وتحل محل أثمن الأسلحة المهزومة، بما تجسده من شخصيات مدروسة كنماذج نمطية لشخصيات غربية بعيدة كل البعد عن ثقافة المجتمعات العربية التي أصبحت ساحة للاستهلاك.
وهذه الدراما المنتشرة تهدف لصناعة إنسان ساذج مستقبِل لكل مخططات الغرب التي يتم الترويج لها، فأنتجت له الوهم، وصورته على أنه الواقع وأحاطته بذاته ليكتفي بها، دون الاهتمام بقضايا دينه ووطنه ومجتمعه.
لقد زيفت الدراما المعتدية كل حقيقة، حتى في جانب الحشمة وحجاب المرأة، فنرى هذه الممثلة أو تلك قد ارتدت وجهاً ليس وجهها، ولبست تقاليد ليست من تقاليدها، فقط ليترسخ في ذهن المشاهدات لها والمشاهدين أن الانفتاح هو الأصل، وأن زي المرأة المسلمة ما هو إلا تغلف بالتخلف، وأن الزي الغربي هو الهدف الذي يجب أن ترتقي إليه مطالب الحرية.
لقد نجح الإعلام الدرامي في كثير من المجتمعات العربية وتفشت بسببه الكثير من الأفكار المدروسة المدسوسة. ولكن ما ينبغي أن نحترس منه هو ألا تتفشى كل تلك المنتجات والمستوردات من الأفكار الغربية في بلادنا، ونحن بأيدينا أن نوضح للمجتمع أن الواقع هو الهوية الإيمانية التي يجب أن نتمسك بها، وأن العادات البلدية هي الأصيلة المرضية، وأن الأخلاق الإسلامية هي الحميدة، ونحاول أن نفسر للأجيال -الأكبر أو الأصغر أو المساوية لنا- حقيقة المؤامرات التي تحاك ضدنا، وأن ما يُبث عبر شاشات المرتزقة وشاشات العدوان بمختلف قنواتها ما هو إلا سلاح جديد للنيل من هويتنا، وتفكيك مجتمعنا، وتحييدنا عن وجهتنا وقضيتنا، وصرفنا عن قيمنا وأهدافنا الحقيقية واستبدالها بكل ما هو وهمي لا وجود له.

أترك تعليقاً

التعليقات