متطلبات الوعي المجتمعي وأدواته
 

سرور عبدالله

سرور عبد الله / لا ميديا -
كثيرةٌ هي القضايا المعززة للوعي المجتمعي التي باتت اليوم على قارعة طريق النسيان، بعد أن تم تشكيلها في قوالب الغفلة وصهرها في طينة اللامبالاة، من قبل من يتصدرون العمل الإعلامي والتوعوي والتنويري بشكل عام، مع الأخذ بالاعتبار استثناء أشخاص في هذا الميدان لا يزالون بالقوة نفسها التي حكمت خطواتهم الأولى في التحرك لمواجهة العدوان، وذلك بما قدموه من تعريفٍ بخطورته، وما حققوه من استنهاض واستنفار لمجتمعهم في ضرورة السعي لمواجهته والعمل على تحقيق الوقوف أمام كل التحديات والأخطار مهما كانت.
ومن دون شك أن الجميع مِمن يتحركون في ميدان التوعية والتثقيف والإعلام كانوا جميعاً بمستوى واحد من الجد والالتزام برسالتهم ومسؤولية حملها، كما كانوا على قدر كبير من معرفة الدور الذي يقومون به، إلى جانب استشعارهم أهمية مواكبة القيادة الثورية المباركة، وتفهمهم لكل ما يطرحه السيد القائد، وتحويلهم كل ما سمعوه وفهموه منه إلى خطط وبرامج عملية، كلٌ بحسب فهمه وموقعه ودوره وطبيعة عمله، وكان الجميع بلا استثناء تصدر مواقفهم عن قناعة وإيمان، إذ إن دافع الشعور بالمسؤولية كان الطابع الذي انطبعت به كل تلك الأعمال، على الرغم من تعددها وتنوعها بحكم تعدد القنوات التي تمثل حلقة الوصل بين المجاهدين في ساحات التضحية بالنفس والمال، وبين الصامدين والرافدين للمجاهدين بكل متطلبات كسر شوكة الأعداء وإفشال مخططاتهم ودحرهم من كل أجزاء أرضنا الطيبة.
وكنا نلاحظ آثار كل تلك الأعمال من خلال التفاعل المجتمعي معها والتأثر بها والحديث عنها وتبنيها في الموقف والتزامها في الحركة. ولقد استطاعت الصحيفة والإذاعة حينها إيصال صوت بندقية المجاهد في الجبهات إلى كل بيت من بيوت الصامدين والأحرار في اليمن، الأمر الذي جعل صوت تلك البندقية وخطوات القدمين الحافيتين لحاملها نشيداً للحياة الحرة والعزيزة، الحياة الحقيقية التي تعبر عن مرحلة استعادة الوجود الآدمي الوازن المجسد لمقتضى التكريم الإلهي، والمنبعث من تحت ركام الموت والفناء، وقد تسلح بالعقيدة وتزود بزاد الوعي والبصيرة واستمسك بعروة الله الوثقى واعتصم بحبل الله المتين وسلك صراط الهداية الإلهية المستقيم واتخذ كتاب ربه سراجاً ومنهاجاً ونطقت فعاله بتوليه العملي الصادق لقرناء القرآن وحاملي مشعل هداية البشرية إلى دين الله الحق والقائمين بالقسط والمحققين للانتصار على الظلم والجور والجهل والطغيان والاستبداد والاستعباد وامتهان الكرامة وفرض عبادة الطاغوت من دون الله، باعتبار ما ناله هؤلاء الإعلاميون من تكليف وتكريم من ربنا تبارك وتعالى وما مثلوه من امتداد للنبوة وتثبيت لدعائم الرسالة وإبراز صورة الإسلام المحمدي الأصيل وتربية الناس بموجبه وتبيين مبادئه وإعطاء نماذج تطبيقية في واقع الأمة ليتم لها جانب الاطمئنان إليه ولتترسخ القناعة بالسعي لتمثله عن يقين بالشكل الذي يجعل هذه الأمة تتوجه لتعيد صياغة حركتها وتبني تصوراتها وتتخذ مواقفها بناءً على ما يقتضيه الانتماء لدين الله ووفق ما قرره كتابه وعلى اساس الاتباع والاقتداء برسوله وضمن التولي لمن فرض الله توليهم علينا وأمرنا باتباعهم والتسليم المطلق لهم والطاعة الكاملة لأوامرهم والاستجابة الدائمة لكل ما يدعوننا إليه والمسارعة في تنفيذ توجيهاتهم بشكل دقيق وشامل، وليس بما ينسجم وأمزجتنا ويتوافق مع رغباتنا، فلكل طالوت نهر ولربما أنهار يتم على ضوئها الفرز والغربلة لتصبح الساحة هي ساحة الخلص والصادقين "الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم"، وتتطهر الدنيا ممن ينبني حكمهم على الأشياء على أساس التفوق العددي والفوارق المادية: "لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده".
ولعل ما سبق -عزيزي القارئ- في هذه المادة يصلح ليكون مدخلاً إلى ما نود الوقوف عنده لمحاكمة أنفسنا وتصويب مسارنا ومناقشة السلبيات وكشفها، لكي لا تتسع نطاقاتها وتصبح ظاهرة لا نستطيع المعالجة لها والحد من آثارها التدميرية.
وبما أن المقام مقام ثورة، والقضية قضية أمة، والمسألة هي مسألة دين ووجود ومصير في الدنيا والآخرة، فلا بد من النقد البناء، ولا بد من أدوات وخز لتنبيه الغافل وتصويب مسار المعوج وتقويمه وإبعاده عن مزالق الانحراف، كي لا يقتل عليٌّ وأبناؤه مجدداً بين ظهرانينا ونكون بذلك قد أقررنا باستحقاق الخزي والمذلة والخسران وحملنا تبعات جرائم وذنوب وانحرافات وغفلة من سبقونا ومن سيأتون بعدنا، وعليه لا بد من القول بحق والنقد بصدق والتبيين بعدل والنصح بالتي هي أحسن.

مظاهر الخمول.. الداء والدواء
ثمة قضية على درجة من الأهمية لا يجوز لنا التغافل عنها، وهي قضية الخمول والجمود في الجانب التوعوي والتثقيفي والفكري وكذلك التعبوي والإعلامي، إذ يلحظ المتتبع لحركة هذا الجانب وجود هوة بين الكاتب والشاعر والإعلامي والمثقف، أفراداً ومؤسسات، وبين المجتمع، وأيضاً وجود قصور وعجز لدى الإعلام وشركائه في حمل المسؤولية المشار إليها، في ما يتعلق بترجمة توجيهات السيد القائد ومواكبة المتغيرات التي يبينها في خطاباته وتحديد الأولويات التي يرسمها لنا ويحددها ويشرحها، ويقدم الكيفية للبدء بتنفيذها والأسلوب والطريقة التي يجب اتباعهما، لتؤتي تلك الأولويات أكلها ويجني الناس من ثمرها ويعيشون بركة النتائج الطيبة لها في مختلف مجالات الحياة وشتى ميادين حركة الأحياء. فما هو السبب الذي أدى إلى ألا يستطيع الإعلام، قنواتٍ تلفزيةً ومحطاتٍ إذاعيةً بالدرجة الأولى، أن يعكس تلك التوجيهات على ما يقدمه من مواد برامجية ويبني توجهه الرسالي والتنويري وفق ما يقدمه القائد من إرشادات ويحدده من أولويات؟!
إن فقدان القدرة على القيام بذلك ليس لعدم وجود خبرات وقدرات إعلامية وفكرية، وإنما بسبب وجود رغبة جامحة من قبل المعنيين بإدارة الجانب الثقافي والإعلامي، بتوحيد الخطاب الإعلامي لا على أساس الانتماء للشعب والارتباط بالنهج والتعبير عن الثورة وحمل القضية الواحدة والهم الواحد، وإنما على أساس العمل على توحيد الطريقة والأسلوب في تناول قضية ما بشكل يغلب عليه طابع الإملاء والتلقين على طريقة "قل ولا تقل"، مما أدى إلى تلاشي، بل وانعدام الإبداع بالكلية، حتى فقدت القضايا قدرتها على لفت انتباه المتلقي والتأثير عليه ليصبح تأثره منعدماً، وبالتالي يظل بعيداً عن اتخاذ موقف إزاء ما يحدث هنا أو هناك.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل اتسعت دائرة التطبيع والتنميط للمجال الإعلامي حتى أصبح الإعلام معنياً بتقديم ترجمة لتلك النقاط التي تأتي بالتزامن مع حدث أو مناسبة أو قضية، وتكون تلك النقاط فاقدة لشموليتها بذلك الحدث وفاقدة لمستوى الإلمام بتلك المناسبة، نتيجة خروجها من فكر محدود النظرة قاصر الفهم يعيش بمعزل عن الارتباط بخطابات القائد، وإن ارتبط بها فهو يكتفي بأن يطفو على السطح دون أن يكلف نفسه مشقة النفاذ إلى العمق الذي من خلاله سيتمكن من تظهير الخطاب في أكثر من موقف وحدث وقضية، لكنه الجهل والعمى عما يجب أن يكون، والاقتصار على ما قد كان. 
ولإثبات صدق ما نقول نطلب من القارئ الكريم العودة إلى خطاب سماحة السيد القائد في ذكرى استشهاد الشهيد القائد، وكذلك خطاب اليوم الوطني للصمود، ثم يقارن بين ما صدر من توجيهات إلى الإعلام وبين استجابة الإعلاميين لذلك، ومدى ترجمتهم عملياً لفحوى ما احتواه هذان الخطابان. ولولا خشية تجاوز المدى المحدد لتدفق هذه الحروف لقدمت ذلك كله بين يديك عزيزي القارئ لتدرك مدى الهوة بين الإعلام وما يجب عليه وما تتطلبه المرحلة وتستوجبه الأحداث.
ولعل الداء العضال الذي أصيب به إعلامنا هو إغفال المجالات التي تشكل عماد وعي المجتمع وتصحيح فكره وتصويب نظرته، واللهاث وراء ما استجد من شائعات، والاكتفاء بكل جديد، وتناول الخبر بأسلوب ببغاوي مجرد من أدنى وعي بمشروع عظيم وضع لنا قاعدة لا بد من التحرك من خلالها، وهي "عين على القرآن وعين على الأحداث".
وأخيراً، لا بد لنا هنا من وضع هذه الحقيقة المؤلمة بين يدي من يهمه الأمر، وهي أن التميز والإلمام بالقضايا والمتطلبات لطبيعة المرحلة بات من دواعي شق الصف ولوازم المعرفة لمن يخدم العدوان، وللأسف الشديد لا لشيء إلا لأن المستنيرين في كوكبة تولي زمام التوعية والفكر ارتبطوا بـ"تويتر" وحملوا هم كم ترند يحققون في الأسبوع، ولو كان الثمن فقدان جميع أبناء اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات