الحجر الجهلي
 

سرور عبدالله

سرور عبدالله / لا ميديا -

آذانٌ لا تسمع، وأعينٌ لا تبصر، وعقول امتدت بداخلها ضبابية سوداء، وأفواه لا تكاد تنطق إلَّا بجمل وعبارات حفظتها على مدى عقود وسنوات، لا وعي، ولا بصيرة. هكذا هم خفافيش الظلام البائد يأبون على أنفسهم إلا أن يقيموا حجر الغفلة محبوسين في قوقعة الجهل يقون أنفسهم نور الحرية بقيود الجدل والجدال. النقاش معهم حقيقة في غربال، يتمسكون بميراث كبير من الضياع الفكري، وهذه هي الثروة الوحيدة التي تركها لهم كبيرهم الذي لم يعلمهم من السحر سوى أن يصدقوا ما يمليه عليهم من الخرافات والخزعبلات. زج بهم في الخديعة، ولم يعلمهم الخدع، فلو أنه علمهم الخدع لمكنهم من سره ثم لكشفوه ولما استمر هذا الميراث في حوزتهم حتى اليوم.
لقد بدل الخفاش الليلي الظلامي، حقيقة الأمور، غيب الحقائق وأخفى الدلائل، تجاوز حدود المعقول إلى اللامعقول، وضع يده في يد شياطين الكرة الأرضية، وكان عين إبليس وذنبه في اليمن. بفضله عُرفت بلادنا كواحدة من أفقر البلدان في العالم، وطن مسلوب الإرادة مهدد بالأوبئة والمجاعة، كل يوم كان زعيم العصابة .
يطلق لسانه السليط وصوته الشاذ مطالباً بالمعونات الإنسانية، والإغاثات الدولية لليمن، جعل منا شحاذين في نظر العالم، بينما نحن أعز الأقوام وأكرمهم، سُلبت منا حقوقنا المعيشية ومستحقاتنا وأراضي وطننا، وغيبت عنا ثرواتنا ومنعت بلادنا في عهده من أن تعتمد اقتصاديا على محاصيلها ومنتجاتها، وتحولنا بفضل اللص إلى مسروقين منهوبين - بلغته هو جاوعين ورؤوس ثعابين - مهمشين مكتوفي الحيلة فاقدي الوسيلة، وكل من كان ينادي بما يخالف خطط التجهيل، كل من كان شريفاً نظيفاً لا يقبل المساومة كانت تتم تصفيته أو تعذيبه بأساليب نفسية وجسدية في سجون أمريكية سرية داخل اليمن، حتى يفقد عقله وينعت بالمجنون.
ليس هذا فحسب، بل لقد كانت عقود العصابة وزعيمها عقود الشتات والتفرقة، وكان الشعار المطبق «فرق تسد»، ولم يأت هذا الشعار من فراغ، بل كان درساً تعلمه الزعيم المقصود من المدرسة الأمريكيةـ «الإسرائيلية». 
وليس الخوض في جرائم الماضي هو الغرض في ما أكتبه اليوم، فمقال أو مقالان أو حتى ألف وألفان لا يتسع لما كان، ودعونا نقل إن الماضي بما تضمنه قد سُرِقَ منا من قبل عصابات خارجية داخلية تحت مسميات دينية وسياسية واقتصادية متعددة. وها نحن في الحاضر نعي تماماً فداحة الأمس، نعم نحن في الحاضر نعيش أمام مخلفات العبودية، لا نحارب عدواً خارجياً مكوناً من 25 دولة متآمرة فقط، بل نحارب الوثنية العفاشية التي مازالت تنبض في أعماق المتخلفين الذين تخلوا حتى عن القيم وقضية الوطن إرضاءً لآلهة العناد والعنجهية وممارسة لطقوس الجهل الموروث. نحن أمام رؤوس خاوية متحجرة أو لنقل روبوتات صنعتها يد الطاغية تمت برمجتها على مفاهيم وأوامر محددة، تحدثهم عن نعيم المستقبل يحدثونك عن رضاهم واقتناعهم بهوان الماضي وذله، فيضعون أمامك حفنة المنجزات الوهمية ويغيب عنهم الوعي بأن المنجزات الحقيقية من جامعات ومدارس ومعاهد تقنية ومستشفيات ومرافق حكومية كانت في عهد الشهيد الحمدي، وكثيراً منها دمرها العدوان حقداً وحنقاً. إذن، نحن أمام أفراد لسان حالهم يقول: إنا وجدنا عفاشنا على ملة وإنا على آثاره مقتدون.
هؤلاء مهما برزت لهم الأحداث، ومهما كشفت أمامهم أقنعة صاحبهم الخبيثة، لا يفقهون شيئاً ولا يعقلون، ومن الواضح أن الجهل قد أصبح مرضاً منتشراً في تفاصيل أذهانهم، فلا جرعات توعوية، ولا دورات ثقافية تعليمية، ولا أشعة نورانية من هدي السور القرآنية، ولا عقاقير روحية قد تشفيهم، ولا حل لمصيبتهم إلا أن يؤمنوا بأن الله واحد أحد فرد صمد، وأنه الحي الذي لا يموت.

أترك تعليقاً

التعليقات