سرور عبدالله

سرور عبدالله / لا ميديا -
كثيراً ما تطرق أبواب عقولنا التساؤلات التي تحاول أن توقظ المساحة الخالية التي تراكمت بداخلها كومات الظلمات. وكثيراً ما تتخبط خطواتنا في مسارات يدفعنا جهلنا للاعتقاد أنها ستوصلنا إلى واحة المعرفة، لكن ما هي إلا برهة من الزمن سرعان ما تنقضي لندرك مدى التيه وحجم الضياع الذي كنا فيه، ثم نبحث عن وجهة جديدة لا تكاد تختلف عن سابقتها إلا بالعناوين المزخرفة والمنمقة التي تجتذب إليها الأسماع وتمني القلوب. وبما أن المحرك المستندة إليه هو التيه فالنتيجة واحدة ويستمر الظلام الدامس، إلا من بصيص أمل يومض في الأفق.
هكذا كنا من غيابة إلى غيابة نراقب عوالمنا العربية والإسلامية وهي تبتعد عن منبع النور لتتهاوى في سراب التحضر والتطور وأوهام المراتب والشهائد العلمية، تلك التي عمل عامل غير مجهول على تفريغها هي الأخرى من قيمتها ومضمونها ليضمن لشعوبنا عدم الخروج من حبسه المعتم إلى عوالم الله الواسعة.
هنا فهمت وأدركت وتيقنت، بعد أن قضيت القليل من وقتي المزدحم بالتراكمات غير القيمة في تأمل هذه السطور للدكتور/ حمود عبدالله الأهنومي، أستاذ قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة صنعاء، قيمة هذه المسيرة التي بتنا نلمس بركاتها ونجد عظمتها في واقعنا من خلال ما نراه من أثر طيب ومثمر تجسد وظهر في واقع الأفراد والمجتمع وانعكس على شتى مجالات الحياة والأصعدة.
فنحن واجدون في ميدان الفكر والنفس وميدان الجهاد وتحمل المسؤولية كمالاً إنسانياً صنع من ضعفه قوة وقفت في وجه كل قوى الطاغوت والإجرام، لأن التغيير الناتج عن ثورة الـ21 من أيلول/ سبتمبر، ليس تغييراً للمظاهر الخارجية واستبدالاً لأسماء بأسماء أخرى دون وجود تغير ملموس في المضامين، بل إن التغيير استهدف أول ما استهدف النفوس ليبنيها بناء إيمانياً، ومتى ما تغير واقع النفس إلى الأفضل واستطاع أصحابها أن يزهقوا الباطل في نفوسهم استطاعوا بموجب ذلك تغيير الواقع الخارجي، وإزهاق الباطل من الحياة بكلها، وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
والدراسة التي بين أيدينا "مناهجنا التعليمية الشرعية - قراءة نقدية على ضوء ملاحظات الشهيد القائد"، وللأهنومي العديد من الدراسات والأبحاث التي واكبت التصدي لقوى العدوان وأسهمت بشكل كبير في تعزيز الوعي في أوساط الناس، ومن أبرز هذه الدراسات:
ـ "مجزرة الحجاج في تنومة".
ـ "الجهاد الدفاعي في فكر أهل البيت".
ـ "التربية في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه".
ـ "اليمنيون والهوية الإيمانية".
وله مقالات بحثية كثيرة حملت عنوان "التاريخ يصنع وعينا"، وكذلك له كتاب بعنوان "مشروعية الصرخة في المساجد"، إلى جانب الكثير من الدراسات والأبحاث والندوات التي لا يتسع المجال لذكرها.
تناول الكاتب في مقدمة هذه القراءة النقدية أهمية المناهج العلمية والثقافية لما لها من أثر بالغ في تحديد الوجهات المستقبلية والاتجاهات العملية وكذلك التأثيرية على الأفراد والمجتمعات سلبا أو إيجاباً.
يتحدث الباحث عن نقد المناهج التعليمية الشرعية التي تُدَرَّس في المدارس والمراكز والمساجد، سواء منها مراكز التدريس المؤقتة ممثَّلة في الدورات الصيفية والدورات والورش التي تستمر أياما أو شهرا أو حتى شهورا، ومراكز ومدارس التدريس المستمرة، وتتمثل في المدارس والمراكز التقليدية، التي تنشط طوال أيام السنة، ما عدا أيام العطلات، وعادة تستمر سنين عديدة، ولا توقيت محدداً لها، بل ذلك يخضع لاهتمام الطالب ومثابرته.
في الحديث عن المراكز الصيفية يؤكد الأهنومي ضرورة تفحص أدائها العلمي والعملي والعناية بالمناهج التي يجب أن تعطى للطلاب خلالها وتطويرها وتحصينها بالثقافات السليمة التي تضمن تخرج أشخاص ذوي قيم ومبادئ ووعي وإدراك إيماني قرآني، لا أن يبقوا عرضة للثقافة الوهابية التكفيرية التي تميت النفوس وتسمم الأفكار وتقود الأمم نحو الانحراف والخيبة.
يقول الأهنومي: "ليس طبيعيا أن تظل المدارس التكفيرية مفتوحة على مصراعيها بحجة الحريات ونحن نقف موقف المتفرج أمام الفراغ الذي يتركه العلماء الربانيون من علماء آل محمد حينما يغادروننا إلى الله، وليس طبيعيا أن نترك الساحة لمن يقدم العلم والدين منقوصا وضعيفا وبعيدا عن المسؤولية في الإسلام، وعلى أنه مجرد قراءة وشيء من العبادة والمعاملات الشخصية، بل لا بد من أخذ زمام المبادرة والاستفادة من الثقافة القرآنية والمنهجية والطرق والأساليب القرآنية في إعادة صياغة المقررات التعليمية وتطويرها، وإلى أن يحصل ذلك الأمر يمكن أن يستمر التدريس والتعليم بطريقة نقدية، كما كان قد اقترح الشهيد القائد فعل ذلك".
أما في ما يخص المدارس التقليدية التي يذكرها الأهنومي في هذه القراءة فهي وعلى الرغم من أننا نشأنا في باحاتها ونهلنا من مناهجها وتخرج منها العلماء والأدباء والقضاة وغيرهم إلا أنها أصبحت بحاجة ماسة إلى التطوير، وهذا لا ينفي جودتها ولا كفاءتها - بحسب رأي الباحث، ولكن هناك عدة عوامل تستدعي الحاجة الملحة للتطوير - كما يقول، وهذه العوامل هي:
أولاً: هي قديمة، كُتِبت لقرون سلفت، فهي بحاجة ماسّة للتطوير والتعديل وعمل أنظمة واضحة مع الحفاظ على المضامين الجزلة المعرفية وإعادة كتابة المقررات بتحويلها إلى معلومات عملية تركِّز على الجانب التطبيقي والعملي، وتطعيمها بالوسائل والتقنيات الحديثة، بمراعاة الشكل الذي يلبي احتياج الأمة.
ثانياً: التركيز على المعلومات المعرفية النافعة. وهذا يعني تجنيب الطالب الكثير من المعلومات التي ترهق تفكيره في وقت هو فيه غير قادر على استيعابها، وكذلك تجنيب الدروس المحشوة طويلة الشرح قصيرة الديمومة قليلة الفائدة.
ثالثاً: هناك علوم ومعارف حيوية، والمقصود أن هناك أموراً وواجبات أولى من غيرها وأهم ويجب أن تدرس للطلاب. وقد ذكر الباحث منها وجوب الجهاد والاستعداد بالعلم وغيره لمقاتلة الكافرين، وكذلك تقديم الفرائض على النوافل في الوضوء وغيره. ويتطرق الباحث إلى استخلاف الله للإنسان وتسخير كل ما في السماوات والأرض لخدمته. وهنا يغترف الأهنومي من منابع الحق للشهيد القائد فيستعين بتجليات النور المحمدي الأصيل مورداً قوله رضوان الله عليه: "يأتي مَنْ يُقَدِّمُ الغاية من الاستخلاف بطريقة معكوسة، ويقول بأن الدور الذي يجب أن يقوم به الإنسان هو مجرد التسبيح والتقديس والصلاة والصيام فقط، وهو خلاصة ما كُلِّفَ به الملائكة. وهذا ما أنتج في الواقع التعليمي رؤى ناقصة وقاصرة".
ويضيف الشهيد القائد: "إن السبب في ظهور أمة متخلفة جاهلة، تفتقر إلى كثير من مظاهر الحياة، لا توجد لها وليست متوفرة عندها، ودينها ضائع، في الأخير شغل الأعداء مظاهر الحياة، وظهروا على الناس بباطل، وإذا الحق أضعفناه بضعفنا، أو برؤيتنا القاصرة التي لم تنطلق على أساس ولو معرفة، هو عدم فهمنا للقرآن بشكل صحيح، وعدم دراسته دراسة كاملة مفصلة وتدبر ما فيه من منافع وأحكام وغايات، وأيضاً عدم دراستنا للغة العربية بالشكل الذي يجب، وعدم التعمق في المعاني، وكذلك لا غنى لنا عن دراسة العلوم التطبيقية التجريبية التي وضع الله فيها الأسرار والنواميس والمعارف".
رابعاً: التعامل مع القرآن الكريم. بما أن القرآن الكريم هو المنهج الشامل الكامل المتضمن لكل مناهج الحياة بكل نواحيها والمعالج لكل القضايا والأحداث والمسائل فإنه لا بد أن تكون له الأولوية لدى العلماء وطلاب العلوم، ويجب إعادة الاعتبار للنص القرآني وجعله محور الاهتمام ليكون هو المهيمن على النصوص الأخرى، كما استشهد الباحث بقول الشهيد القائد: "والقرآن هو الذي لم يحظَ في تاريخ الأمة بأن يرجع الناس إليه فعلا بشكل كامل، وبشكل جاد، يرجعون إليه، ويضعون القواعد على أساسه، ويبنون رؤاهم عليه". وذكر أنه حصل في بعض مراحل التاريخ الانطلاقة على أساس القرآن الكريم كما حصل في أيام الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، وفي عصور أئمة في مناطق معينة، لكنها محاولات لم تستمر، وذكر أنه يجب أن يكون هناك اهتمام كبير بالقرآن الكريم، وأن تكون حركة الناس حركة قرآنية، وأن تتجه باتجاه القرآن، وأينما يريد القرآن أن نصل وصلنا.
وفيما يلي نقف مع السؤال الذي هو المحور الرئيسي الذي تدور حوله هذه القراءة، وهو: لماذا يجب أن نهتم بالقرآن دراسة واستماعا واهتداء؟
يضمن الباحث الإجابة على هذا السؤال بعدة نقاط استلهمها من دروس "من هدي القرآن الكريم" للشهيد القائد (سلسلة دروس رمضان)، وكذلك محاضرات السيد القائد عبدالملك الحوثي، وخصوصاً تلك التي تتحدث عن المشروع القرآني مثل محاضرات "ذكرى الصرخة في وجه المستكبرين" و"ذكرى استشهاد الشهيد القائد"، سنذكر بعضها وهي كالتالي: 
ـ لأنه كتاب الله الذي جاء من عنده، وأنزله لهداية الناس، والمهمة الأساسية له هي الهداية.
ـ لأن في القرآن تفصيلا لكل شيء نحتاجه في واقعنا كبشر وكأمة على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة.
ـ لأن هداية القرآن في جميع آيات القرآن، وليس في جزء منه.
ـ لأن القرآن الكريم يستوعب حركة الحياة بأكملها، وهذا ما لا يمكن أن يكون موجودا في أي كتاب آخر.
ـ إن مناهجنا التعليمية فيما سبق لم يكن يوجد فيها ما يُرَبِّي أبناءنا وأمتنا على أن يحملوا العداء لأمريكا و"إسرائيل"، وعداوة لفريق الشر من اليهود والنصارى.
نكتفي بهذا القدر مع التنبيه على ضرورة قراءة البحث كاملاً لما احتواه من منهجية شاملة نحن بأمس الحاجة إليها في مدارسنا وجامعاتنا ومراكزنا.

أترك تعليقاً

التعليقات