عذراً يا أبي.. فتعز تتحرر؟!
 

محمد عبده سفيان

عذراً يا أبي الحبيب، فقد رحلت عن دنيانا الفانية الى الدار الآخرة، في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها وطننا منذ أكثر من عام، ولذلك لم أتمكن من زيارتك وأنت مازلت على قيد الحياة منذ شهر رمضان العام الماضي، بسبب ظروف نزوحي من مدينة تعز الى العاصمة صنعاء، ولم أتمكن من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة على جثمانك الطاهر قبل مواراته الثرى، لأن الوصول من صنعاء الى قريتي مسقط رأسي في بني عيسى بمديرية جبل حبشي، أصبح في غاية الصعوبة، والسبب في ذلك هو أن تعز تتحرر؟!
عذراً يا أبي لأني وصلت من صنعاء الى القرية بعد يوم من مواراة جثمانك الثرى، حيث اضطررت للمبيت حتى الصباح في مدينة القاعدة التي وصلتها عند الساعة الخامسة مساء، عندما أبلغني عدد من أفراد الأسرة بعدم مواصلة السفر حتى منطقة حذران غرب مدينة تعز، لأنه لا يسمح لأحد بالعبور باتجاه وادي الضباب أو الى داخل مدينة تعز بعد الساعة السادسة مساء.. فمعذرة منك يا أبي لأن تعز تتحرر؟!
لأن تعز تتحرر، فقد نزح منها غالبية سكانها لينجوا بأنفسهم وأسرهم من الصواريخ التي تلقيها طائرات تحالف العدوان السعودي الصهيوأمريكي والمواجهات المسلحة التي تدور رحاها بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة بين الجيش واللجان الشعبية والمليشيات الموالية لدول تحالف العدوان، ومن بطش الجماعات الإرهابية المسلحة التي قدمت الى تعز لتشارك في عملية تحريرها من سكانها، وتدمير كل شيء جميل فيها، وتحويل مدارسها وجامعاتها ومؤسساتها العامة والخاصة الى ثكنات للمليشيات المسلحة.
لأن تعز تتحرر كما تم تحرير عدن، وبنفس الطريقة التي تمت في ليبيا، فقد أصبح سكان مدينة تعز وعدد من المناطق في بعض المديريات، مشردين في صنعاء وإب والحديدة.
لأن تعز تتحرر، فلم أتمكن من الوصول الى قريتي في نفس اليوم الذي سافرت فيه من صنعاء.. ولأن تعزز تتحرر، فقد اضطررت لركوب دراجة نارية من منطقة حذران غرب مدينة تعز، الى قريتي، سالكاً طريقاً وعرة (طريق مشاة)، لأن (أبطال المقاولة) قطعوا الطريق الفرعية التي تربط منطقتي حذران والربيعي غرب مدينة تعز بمنطقة وادي الضباب، وذلك بوضع الأحجار الكبيرة لمنع مرور السيارات منها، وإلصاق التهمة بالجيش واللجان الشعبية.
لأن تعز تتحرر، فقد حرمت ومعي اثنان من أشقائي وأفراد أسرنا، من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة على جثمان والدنا المنتقل الى رحمة الله تعالى.
لأن تعز تتحرر، فقد اضطررت للعودة من قريتي الى منطقة حذران غرب مدينة تعز، على ظهر دراجة نارية، سالكاً نفس الطريق التي سلكتها عند ذهابي الى القرية.
لأن تعز تتحرر، فلم أتمكن من الدخول الى المدينة لزيارة أفراد أسرتي الذين ما يزالون فيها، وعدت الى صنعاء دون لقائهم.. لأن تعز تتحرر، فقد اضطر المسافرون الى صنعاء وإب والحديدة القادمون من مديريات جبل حبشي والمعافر والمواسط والشمايتين، إلى سلوك طريق فرعية تمر من منطقة البيرين بمديرية المعافر ومنطقة الكدحة بمديرية الوازعية ومنطقة الأخلود بمديرية مقبنة، وصولاً الى مدينة هجدة، ومنها الى منطقة حذران غرب مدينة تعز.
عذراً يا أبي لأني لم أتمكن من زيارة مدينة تعز الحبيبة التي انطلقت منها مع طلائع الشباب في أكتوبر عام 1962م الى العاصمة صنعاء للدفاع عن ثورة 26 سبتمبر الخالدة.. وذلك لأن تعز تتحرر؟! 
نعم إنها تتحرر منذ أكثر من عام و70 يوماً، وماتزال عملية تحريرها مستمرة، كما تم تحرير مدينة عدن؟!
عذراً يا أبي.. فقد أصبحت مدينة تعز العلم والثقافة ساحة مفتوحة لحرب قذرة ممولة ومدعومة مالياً وعسكرياً وسياسياً وإعلامياً من قبل مملكة آل سعود وحلفائهم في جريمة تحالف العدوان الغاشم والحصار الجائر على وطننا وشعبنا اليمني.
رحمك الله يا أبي، ولا رحم من تسبب في معاناتنا.

أترك تعليقاً

التعليقات