معركة مفصلية
 

توفيق هزمل

توفيق هزمل / لا ميديا -
ما بدا في غزة وانتقل إلى لبنان، وما نشهده من أحداث وتطورات، يُظهر بصورة جلية أننا أمام معركة مفصلية في تاريخ المنطقة والعالم، نتائجها هي التي ستحدد شكل المنطقة ومستقبلها خلال المئة عام القادمة وستغير الكثير على مستوى الصراعات الدولية؛ فمشاريع «الشرق الأوسط الكبير - أو الجديد» و«الإبراهيمية» و«إسرائيل الكبرى» و«نيوم» وخطوط التجارة... إلخ، كانت قد قطعت شوطاً كبيراً على المستوى السياسي والتجاري والثقافي لتهيئة بيئة تقبل بالمتغيرات المخطط لها، ولم يتبقَّ إلا عقبة غزة ومقاومة لبنان لكسر الحاجز الأخير أمام المشروع الصهيوني.
فبدون غزة سيطوى ملف القضية الفلسطينية إلى الأبد، وبدون غزة والقضية لن يصبح هناك معنى لوجود مقاومة لبنان، وبسقوط لبنان ستنفتح الجغرافيا السياسية أمام المشروع، فسورية بعد اجتياح لبنان ستكون جائزة المنتصر؛ إذ لولا عقبة المقاومة لتم ابتلاع سورية إبان «الربيع العبري».
العراق جاهز بعد تفتيته طائفيا، والجزء المهم فيه للمشروع هو الجغرافيا السنية، والسنة في كل المنطقة أصبحوا في الجيب الخلفي للصهيونية الوهابية. سيناء جاهزة للمشروع بعد تفريغ سكانها. والأردن منفى مؤقت لفلسطينيي الضفة الغربية ولمن فيها، قبل أن يجري تفكيكه وإخراجه من الجغرافيا السياسية. المدينة المنورة ووادي القرى أيضا جاهزة للضم والاستيطان...
بالطبع النظام الإسلامي في طهران سيتلاشى تلقائيا إن تم القضاء على المقاومة اللبنانية وسقطت سورية والعراق. ستبقى العقبة الأخيرة أمام المشروع تلك الجبال الوعرة الواقعة في الجنوب الغربي من الجزيرة العربية، والتي تقطنها قبائل محاربة تتخذ من الجبال حصوناً، وهي مشكلة طارئة لم تكن في الحسابات الجيوسياسية والعسكرية لمهندسي إعادة تشكيل المنطقة، خصوصا بعد أن كسرت طوق العزلة الجغرافية بذراع صاروخي ومسيّر طويل، والتخلص منها يحتاج إلى مقاربات مختلفة ومتنوعة، هي مزيج من العزلة الجغرافية عبر محاولة احتلال سواحلها والخنق الاقتصادي ودعم الفتن الداخلية وتكوين جيوش من المرتزقة المحليين وغيرهم... إلخ.
من خلال ما سبق يمكن أن ندرك مدى خطورة المعركة الحالية، وأنها لن تنتهي بوقف إطلاق نار لتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه، بل هي معركة مفصلية وتاريخية.
وعلى العكس من السيناريو السابق، فإن الفشل في القضاء على مقاومة لبنان وغزة سيعني بداية نهاية المشروع الصهيوني، وبداية إعادة النظر في جدوى الاستمرار في الاستثمار بالكيان الصهيوني، والفشل أيضاً سيعني فتح الأبواب أمام القوى الطامحة لمنافسة الهيمنة الأمريكية وعلى رأسها الصين.
فلن يقبل العالم، بمن فيه الأمريكان والغرب، بتعطيل مصالحهم وحركتهم التجارية لفترات طويلة نتيجة تحول الصراع إلى صراع مزمن وممتد على كامل رقعة الجزيرة العربية وغرب آسيا؛ لأن قوى المقاومة لن تستطيع حسم المعركة بالضربة القاضية، بل بالزمن، فكلما طال زمن الصراع مالت كفة الانتصار لصالحهم.
ولن يجد العالم بُداً من الجلوس والتفاهم مع القوى التي أعاقت وأفشلت المشروع الصهيوني لضمان إعادة الاستقرار وضمان مصالح العالم وليس فقط المصالح الأمريكية أو الغربية، وكذا ضمان مصالح قوى المقاومة والتي على رأسها تفكيك الكيان السرطاني كمدخل للاستقرار الإقليمي والعالمي.
زوال الإسلام الإلهي أو زوال المشروع الصهيوني، هذه هي النتائج الموضوعية الوحيدة للصراع القائم. والعاقبة للمتقين.

أترك تعليقاً

التعليقات