انتصار يمني تاريخي
- توفيق هزمل الثلاثاء , 21 يـنـاير , 2025 الساعة 6:53:03 PM
- 0 تعليقات
توفيق هزمل / لا ميديا -
أوجد العدو غطاء واسعاً للعدوان على غزة، من خلال اتهام المقاومة بارتكاب جرائم حرب، كذبح وإحراق الأطفال واغتصاب النساء... إلخ.
ووجد في عملية أكتوبر فرصة تاريخية لتصفية القضية الفلسطينية، عبر تدمير قطاع غزة وتهجير سكانها ليصار بعد ذلك إلى تهجير الضفة الغربية، وبالتالي لن تبقى هناك قضية احتلال أو مقاومة، بل ستصبح القضية مجرد حدث تاريخي يشابه ما حدث للهنود الحمر في أمريكا.
وكان العدو يحسب حساب تدخُّل المقاومة اللبنانية لنصرة غزة، لذا جرى الإعداد مبكراً لتوجيه ضربات قاتلة للمقاومة، على المستوى الاستخباراتي والعسكري والاستراتيجي. ولكن كانت المفاجأة الاستراتيجية التي تمثلت في الدخول اليمني المباشر على مسار الأحداث وبصورة غير مسبوقة تاريخياً. هذا الدخول خلط أوراق المخطط الصهيوني.
فمن ناحية أدى الدخول اليمني، خصوصاً في ملف الملاحة، إلى كسر حالة التعتيم على الجرائم الصهيونية في غزة.
فتضرر حركة الملاحة الدولية جعل الحرب على غزة حدثاً عالمياً لفت انتباه كل سكان المعمورة إلى ما يحدث بالمنطقة، وبالتالي تم كسر الغطاء الصهيوني، الإعلامي والسياسي، على أحداث غزة، والذي هدف لجعل الأحداث محصورة جغرافياً لا تمس بمصالح أي طرف، ومبررة أخلاقياً باعتبارها فقط عملية مواجهة لمجموعات "إرهابية" كمثيلاتها في أفغانستان والعراق وغيرهما.
ولكن الدخول اليمني لفت أنظار العالم إلى ما يحدث، وأثار إعجاب أغلب الشعوب التي ترى شعباً محاصراً ودولة مدمرة اشتهرت بأنها موطن أكبر مجاعة في التاريخ الحديث، تواجه أقوى وأغنى قوى الأرض.
هنا تجسد مشهد أسطوري موجود في ثقافة مختلف الشعوب، وهو مشهد تصدي الضعيف الفقير للقوي الثريّ المتغطرس. هذا الأمر ألهب مخلية الشعوب، حتى الشعوب الغربية، وخلق حالة تعاطف مع أهل غزة، فخرجت المظاهرات في الكثير من البلدان، خصوصاً في الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا.
من ناحية أخرى، شكّل النجاح المدهش لليمنيين في الإيقاف التام لحركة الملاحة الصهيونية بالبحر الأحمر وخليج عدن، إحراجاً استراتيجياً للإمبراطورية الأنجلوسكسونية، وعلى رأسها أمريكا، والتي تهيمن منذ الحرب العالمية على مختلف الممرات البحرية حول العالم، وأظهر حالة عجز استراتيجي خطير في فرض الإرادة الأمريكية على بلد ضعيف وممزق وفقير، وهو الأمر الذي يهدد بكسر الهيبة التي صنعتها أمريكا وبريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية، ما سيشجع الكثير من البلدان والشعوب على كسر حاجز الخوف والرهبة؛ فإن استطاع الضعيف الفقير أن يتمرد ويتحدى فيستطيع الآخرون الوقوف في وجه الطغيان الأمريكي.
ورغم تمكن الصهاينة من توجيه ضربات موجعة لمحور المقاومة، كما في لبنان، استخباراتياً وسياسياً، عبر توظيف التناقضات الطائفية اللبنانية لتشكيل حالة ضغط هائلة لوقف عملية إسناد غزة، أو عبر إعادة أحياء التحالف الصهيوني الخونجي، والذي تأسس إبان ما سمي "الربيع العربي"، وتوظيف حادثة اغتيال شهيد الإنسانية والإسلام لخلق حالة رعب لدى بشار الأسد على سلامته الشخصية ودفعه للفرار من سورية ليتسلمها إخوان اليهود خلال أيام معدودة ويقطعوا بذلك الجسر البري الذي يربط لبنان بالعراق وإيران، وهو الأمر الذي خلق حالة صدمة وانكفاء لإيران والمقاومة في العراق ولبنان وخروجها من مسرح الأحداث.
إلا أن اليمن بقي يشكل حالة ضغط عسكري وإعلامي هائل ومحرج لمكانة الولايات المتحدة في العالم، خصوصاً مع فوز ترامب الذي تعهد بإعادة مجد أمريكا، وهو الشعار الذي سيسقط خلال أول امتحان، وهو امتحان إعادة تأمين حركة الملاحة في أهم شريان عالمي، وكذا وقف استهداف حاملات الطائرات والقطع البحرية للأساطيل الأمريكية.
وبما أن الدولة العميقة في الولايات المتحدة قد وصلت لنتيجة استحالة قمع الحالة اليمنية خلال مدى زمني قصير، قرر ترامب ممارسة الضغوط القصوى على الكيان المؤقت لوقف إطلاق النار في غزة، وبالتالي إيقاف العمليات العسكرية اليمنية وعودة حرية حركة الملاحة، وقد ساعده في ذلك حالة الإرهاق المعنوي التي وصل إليها المستوطنون الصهاينة نتيجة ضربات اليمن في قلب الكيان وهروعهم بشكل شبه يومي من غرف نومهم إلى الملاجئ.
إنه انتصار يماني تاريخي، ونقطة تحول في التاريخ العالمي، وهو الأمر الذي سيضع اليمن تحت مجهر كل أجهزة الاستخبارات العالمية، وعلى رأسها الأمريكية و"الإسرائيلية"، لإعداد الخطط متوسطة وطويلة المدى للقضاء على الحالة اليمنية الفريدة في التاريخ.
لذا، فبقدر المجد الذي حققه اليمنيون هناك تحدٍّ ومسؤوليات جسيمة ترافق هذا المجد تقع على عاتق كل اليمنيين، وإن استطاعوا الصمود أمام طوفان المؤامرات القادمة فسيسجل التاريخ عودة الحضارة اليمنية التي كانت تهيمن على وسط العالم وطرق تجارته، ليبدأ العصر اليماني، ويتراجع بل ويتلاشى العصر الصهيوني في المنطقة العربية.
المصدر توفيق هزمل
زيارة جميع مقالات: توفيق هزمل