العبودية في مملكة «مبس»
 

توفيق هزمل

توفيق هزمل / لا ميديا -
شاهدت الفيلم الهندي «حياة الماعز» قبل أسبوع بناء على مقترح أحد الأصدقاء. بصراحة تأثرت بشكل عميق بالفيلم الذي نقل جزءاً من الصورة الحقيقية لاستعباد البشر تحت غطاء نظام الكفالة.
سبب تأثري العميق أنني عايشت قصصاً مشابهة في الواقع، منها قصة عامل سوداني كان يجلس في خيمة العمال الذين يعملون معي بأحد المشاريع ويقوم بإعداد الشاي أو الأكل لهم وتنظيف الخيمة وغيرها من أعمال الخدمة مقابل أن يأكل مع العمال ويبيت في الخيمة.
حز في نفسي بقاؤه بدون عمل مُجزٍ، وظننت أن بقاءه بهذا الحال نتيجة الكسل الذي يشتهر به السودانيون؛ فدخلت في يوم الخيمة وقدم لي شاياً وقلت له: ما رأيك تشتغل مع العمال و«ادي لك» راتباً مثلك مثل أقدم عامل وأحتسب لك «إضافي» وأعتمد لك بدل تغذية للثلاث الوجبات وأسكنك في سكن العمال المكيف بدل جلستك في الخيمة في هذا الجو القاتل وشغلك في الخدمة مقابل اللقمة؟!
فحكى لي قصته وأنه قبل خمسة وعشرين سنة أتى إلى السعودية من أجل العمل مع كفيل سعودي، وأنه عمل خمس سنوات وكان الكفيل يعطيه مصاريف يعيش بها، ولم يكن يصرف له راتباً، وكان يقول له: خلي راتبك عندي أجمعه لك لأجل ما تضيع فلوسك ولما تحب تسافر للسودان شادفع لك كل المرتبات اللي تجمعت عندي!
بعد خمس سنوات من العمل ليل نهار قرر السوداني الذهاب في إجازة للسودان لكي يتزوج ويشتري له شقة من مرتباته اللي عند الكفيل. وعندما طلب من الكفيل مرتباته أنكره الكفيل، عندها صُدم السوداني صدمة العمر، وقرر أن يعود إلى السودان، لأن ما عاد له نفس يشتغل في السعودية.
فطلب من الكفيل أن يعمل له خروجاً نهائياً لأجل يرجع بلاده، فقال له الكفيل: ما فيش مرواح، عتجلس تشتغل ورجلك فوق رقبتك، وقام بضربه وحبسه قرابة شهر في مزرعته.
بعد أن استكان السوداني وأظهر الطاعة أخرجه الكفيل من حبسه، ورجع يشتغل، وانتهز أول فرصة وهرب من المزرعة، وراح يشتكي في مكتب العمل، فقام مكتب العمل بالتواصل مع كفيله الذي جاء وأخذه وأعاده للمزرعة وضربه وحبسه لعدة أشهر إلى أن استطاع الهروب من سجنه.
وظل هائماً في الشوارع يبحث عما يأكل ويشرب ومكان ينام فيه، وكان يحصل على أعمال بسيطة عند بعض الناس، لكن غير مستمرة، لأنه فار من كفيله ويعمل لدى غيرهم، وهو الأمر الذي سيعرضه للحبس وإبلاغ كفيله ليقوم بأخذه من جديد، وإن حصل ذلك سيكون مصيره الموت على يد كفيله، يكفي أن يحبسه بدون أكل أو شرب حتى يموت ثم يرميه في الصحراء ليكون طعاماً للضباع والنسور. لذا ظل طوال عشرين سنة هائماً على وجهه هارباً من كفيله يبحث عما يسد به رمقه.
القصة ليس لها نهاية سعيدة كالفيلم الهندي، فالهندي من حظه أنه تم بيعه من كفيله لشخص آخر في المطار فلم يستطع سيده الجديد استرداده لأنه ليس على كفالته؛ بينما ما زال السوداني يهيم على وجهه حتى اليوم، أو أن الشرطة أمسكت به وأعادته إلى كفيله لكي ينهي حياة العبودية البائسة التي امتدت لثلاثين عاماً.
هناك مئات الآلاف، إن لم يكن الملايين، يعيشون حياة العبودية في مملكة التوحيد الخالص.

أترك تعليقاً

التعليقات