ميلاد الرحمة
 

توفيق هزمل

توفيق هزمل / لا ميديا -
محمد الإنسان: يتحدث الكثيرون عن رسول الله صلوات ربي عليه بصفته الرسالية ومهمته النبوية ولكن الكثير أيضا يغفلون عن ذكر محمد الإنسان أو إنسانية محمد؛ لذا سأحاول شرح جانب من شخصيته الإنسانية العظيمة.
إنسانيته مع أتباعه: قال الله تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.."، وقال عز من قائل: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ".
لقد وصفه الرحمن صاحب الصفات العلى والكمال المطلق بصفات تعتبر ذروة الكمال الإنساني بل تتجاوزه الى بعض الصفات الإلهية المطلقة؛ فمن رحمة الله كان لين محمد ورقة طبعه ودماثة أخلاقة، يعز عليه عنت المؤمنين أي دخول المشقة عليهم أو الأذى أو المكروه لذا هو أكثر الناس حرصا عليهم وعلى استقامتهم، بل يتجاوز ذلك إلى أن يتصف بصفتين من صفات الكمال الإلهي، وهما صفتا رؤوف ورحيم.
أي لا يمكن أن يصل إنسان إلى هذا المستوى من الصفات المستمدة من الكمال الإلهي، فلا يمكن أن تكون أمك أكثر رأفة بك من رأفة محمد، ولا يمكن لأبيك أن يكون رحيما بك أكثر من محمد، ولا يمكن لابن بار أن يصل باللين مع والديه إلى مستوى لين محمد.
هذا محمد الإنسان مع أتباعه، فكيف هو مع أعدائه؟
قال تعالى: "لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ"، وقال عز من قائل: "اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ"، وقال الرحمن: "طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ".
من شدة حرص محمد على هداية أعدائه الذين نال منهم من الأذى ما يحمل أشد القلوب رقة على الحقد والكره، ورغم ذلك فإنه يعرض نفسه للهلاك كمدا وألما عليهم، بل حتى المنافقون الذين يتآمرون عليه ويسعون في قتله وهزيمته وإهانته لا يكتفي بالصبر عليهم في حياتهم، بل يلاحقهم بعد مماتهم بالدعاء والاستغفار لهم.
لذا وصفه الله بقوله: "إِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ"، وخاطبه بما معناه ما أنزلت عليك القرآن لتشقى وتتعب قلبك في هدايتهم، والمطلوب منك فقط أن تذكرهم وكل واحد يختار مصيره بيده.
هذا المستوى من الكمال الإنساني ورقة ولين الطبع وعظمة الرأفة من محمد الرحيم بأتباعه الحريص على إنقاذ أعدائه من عذاب الله، وهذا المستوى العظيم من المحبة تجاه كل البشر يفترض أن يجعل من محمد الشخص الأول والأقرب لكل إنسان ما بالك بالمؤمنين من أتباعه.
لذا عندما يتطرق الإنسان لموضوع الاحتفال بالمولد النبوي عليه أن يسأل: من هو الإنسان الأقرب لي والأحرص علي من نفسي والأحن علي من أبي وأمي؟ من هو أكثر إنسان يحبني ويتعب لتعبي ويحزن لحزني ويفرح لفرحي؟ بالتأكيد هو محمد.
هنا يصبح الإنسان بين خيارين، إما ألا يحتفل بأي إنسان ولا بأي مناسبة، لأنه مهما كان هذا الإنسان سواء كان ابنا أو أبا أو أما أو أخا... إلخ، لن يكون أقرب له وأكثر حبا له من محمد، وبالتالي لا يجوز تقديم أي إنسان أو أي مناسبة على محمد وذكرى ميلاده، فلا حفل زفاف ولا حفل ميلاد ولا أي احتفال مقدم على الاحتفال بمولد الرحمة المهداة.
هنا يصبح هذا الإنسان الكئيب الذي تخلو حياته من الاحتفالات موضوعيا ومتسقا مع نفسه وإنسانيته وإيمانه إن لم يحتفل بمحمد ويكون موقفه أخلاقيا معتبرا فهو لا يحب الاحتفالات أيا كان نوعها أو مناسبتها بما فيها المولد النبوي الشريف.
أما من يحتفلون بكل شيء عدا الاحتفال بمولد محمد فلن يغير ذلك من موقف محمد تجاههم وسيظل يتألم عليهم، ويستغفر لهم.

أترك تعليقاً

التعليقات