«الربيع العربي» في ذكراه
 

موفق محادين

د. موفق محادين / لا ميديا -
بحسب المفكر الاشتراكي الإيطالي، غرامشي، إذا كانت البنى الاجتماعية القديمة التابعة للمتروبولات الرأسمالية تحتضر، فذلك لا يعني أن الجديد قد ولد بعد، هكذا وكيفما اتفق.
فالجديد ينبغي أن يكون جديداً حقاً، وما من ثورة حقيقية تحظى بدعم المراكز الرأسمالية والرجعية والليبرالية المتوحشة؛ فالثورة تتحدد بدلالة تركيبها الطبقي وخطابها السياسي ضد الإمبرياليين والرجعيين، كما بدلالة تحالفاتها ونظريتها وآفاقها.
وإذا دققنا في قوى «الربيع العربي» وتحالفاتها وبرامجها لوجدنا ما يلي:
أولاً: إن اسم «الربيع» نفسه مشتق من «ربيع براغ» الذي أدارته المخابرات الأمريكية وفق ما كتبت الباحثة البريطانية سوندرز: «من يدفع للزمار؟!»، والباحث المجري كوستلر في كتابه «الدعارة الأكاديمية» بعد تجربته في هذا الوسط بالذات.
وقد عاد هذا المصطلح للاستخدام خلال اجتماع لـ»مجتمعات الخبرة الأمريكية» بتاريخ 22/10/2010 دعت فيه هذه المجمعات إلى إعادة تشكيل «الشرق الأوسط» عبر إطلاق «ربيع عربي» باستخدام وتعزيز نفوذ جماعات «المجتمع المدني» كما استخدم المصطلح مرتين عام 2011:
الأولى عند مارك لينشين، الأستاذ في جامعة واشنطن، والثانية في كلمة وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، صديقة الإسلام الأطلسي والليبراليين العرب في الوقت نفسه، وذلك خلال الكلمة التي ألقتها في منتدى المستقبل في الدوحة بتاريخ 13/1/2011 ودعت فيه إلى إطلاق موجة تغيير شاملة في «الشرق الأوسط».
ثانياً: إن قوى الربيع المذكور لم تكن، ومنذ اليوم الأول، بعيدة عن أقلام الاستخبارات الأمريكية والأوروبية و»الإسرائيلية» التي سخرت كل أشكال الدعم المالي والعسكري والإعلامي من أجل ذلك (آلاف المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي وعشرات الفضائيات وعلى رأسها الفضائية العربية الأكثر انتشاراً والتي تتخذ من شعار المثليين قوس قزح شارة لها).
ثالثاً: إن العماد الأساسي لهذه القوى هو تحالف غريب عجيب (إسلاميي الأطلسي والليبراليين المفاجئين) والذي يمكن تفسيره بما كتبه اليهود الثلاثة (برنار لويس، شتراوس، نوح فيلدمان) من مهندسي انبعاث الإسلام الأطلسي على الطريقة الأردوغانية.
رابعاً: إن القوى المذكورة لـ»الربيع العربي» جزء من أدوات استراتيجية بناء «الشرق الأوسط الجديد» عبر الفوضى وفق تعبير لكونداليزا رايس، وذلك من خلال استراتيجية تفكيك متعددة الأشكال، تنتهي بإعادة تركيب كيانات بلا سيادة وكونفدراليات طائفية متناحرة.
وليس بلا معنى مثلاً أن تقوم «المعارضة السورية» باستعادة علم الانتداب الفرنسي على سورية بديلا للعلم الوطني السوري (علم الوحدة مع مصر برئاسة عبد الناصر 1958)، علماً بأن علم الانتداب المذكور يتضمن ثلاث نجمات حمراء ترمز كل واحدة منها إلى طائفة في سورية.
ومن هذه الاستراتيجية أيضاً ما يمكن تسميته بالقاتل المتسلسل:
- القاتل الاقتصادي (صناعة الدول الفاشلة) عبر الديون التي لا تستخدم في الإنتاج، وعبر الخصخصة ورفع الدعم عن السلع والخدمات الأساسية بما يؤدي إلى تحطيم قوى الشغيلة والطبقة الوسطى، ومن أبرز تعبيرات هذا القاتل البنك وصندوق النقد الدوليان، وفق ما ذكره جون بيركنز في كتاب «القاتل الاقتصادي».
- القاتل الليبرالي، وفق نظرية جون لوك التي تربط الحريات السياسية والمدنية بحرية الأسواق.
- القاتل التكفيري، الذي يتكفل باستنزاف وتحطيم الجيوش (في الحالة القطرية التابعة) بوصفها الناظم المركزي الخارجي لمجاميع ما قبل رأسمالية لم تندمج بعد ولم تتحول من طوائف وعشائر إلى تشكيلات طبقية حديثة.
إلى ذلك ما من دولة تابعة، إلا وصار الفساد جزءاً من تركيبتها وصارت بحاجة فعلاً إلى تغيير راديكالي وطني مرهون بربط الحريات السياسية والمدنية ببرنامج التحرر الاجتماعي ـ الاقتصادي والوطني ضد التحالف الإمبريالي ـ الصهيوني.
فيما يخص الربيع المذكور، اندلعت الأحداث في الوطن العربي عام 2011 على خلفية توظيفات وتجارب أمريكية سابقة في بلدان مثل أوكرانيا وجورجيا، وذلك باستخدام صفحات التواصل الاجتماعي وعشرات الآلاف من الشباب الذين تم تدريبهم في مراكز تديرها المخابرات الأمريكية والأوروبية مثل (كانفاس ـ الاتبور في صربيا)، كما اخترعت لهم شعارات مثل «القبضة» وألواناً بحسب كل بلد، وكذلك تم توظيف حادثة هنا وهناك كعنوان عام في البلدان التي شهدت هذا الربيع، مثل بوعزيزي في تونس وخالد سعيد في مصر... وهكذا.
ولم تكن الظروف والأسباب الموضوعية تعوزهم، فالفساد والبطالة وانسداد الأفق كان عاماً، والأهم هشاشة القوى الوطنية اليسارية بعد استنزافها الطويل أو تخريبها من الداخل، مما خلق فراغاً كبيراً في الشارع دخل عليه المشبوهون والليبراليون وإسلاميو حلف الأطلسي، الذين كانوا قد دخلوا في صفقات سرية مع الدوائر الأمريكية لوراثة الحرس البيروقراطي واستبداله بتحالف إسلاموي - ليبرالي.
بدأت الأحداث في تونس ومصر في كانون الثاني/ يناير 2011 ثم في اليمن وليبيا في شباط/ فبراير من العام نفسه، ثم في سورية في آذار/ مارس 2011، وأخيراً في لبنان والعراق. وفيما كانت المظاهرات في تونس ومصر والأردن خليطاً من تيارات مختلفة، مشبوهة ووطنية قبل أن تختطف تماماً من القوى الرجعية والليبرالية، فقد أظهرت أحداث سورية وليبيا أن الطابع العام لها موجه من دوائر الاستخبارات الغربية والرجعية النفطية والإسلام الأطلسي، الناعم والخشن، كما من أوساط ليبرالية غادرت اليسار منذ عقود.
وفي كل ذلك لعبت صفحات التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في التحريض والتعبئة، إذ نعرف أن عدد مستخدمي هذه الصفحات بلغ عامي 2012 و2013 حوالي 40 مليون مستخدم غالبيتهم الساحقة من الشباب، وبقدر ما كانت هذه الصفحات محصلة موضوعية لانطلاقة الثورة المعلوماتية الرابعة كانت أيضاً جزءاً من استراتيجيات عمل مبكرة.
بالإضافة لصفحات التواصل الاجتماعي لعبت مراكز وصناديق تمويل نشطاء وجماعات الثورات الملونة دوراً حاسماً في التحضير لذلك.
ومن اللافت للانتباه أن الغالبية الساحقة لرؤساء ومشغلي وداعمي وممولي هذه الصناديق، هم من اليهود المرتبطين بالموساد وأقلام الاستخبارات الأمريكية والأوروبية وخاصة البريطانية والفرنسية، مثل:
- ديفيد كيز، ضابط موساد.
- إيلان شنايم جرابيل، ضابط موساد، كان يتحرك بجوازات سفر هولندية وكندية وأسترالية، وقد اعتقل في مصر في ميدان التحرير وأفرج عنه مقابل 25 أسيراً مصرياً عند «إسرائيل»، وقد تحول جرابيل إلى موضوع للدراما المصرية خلال دورة شهر رمضان السابقة، بمسلسل «هجمة مرتدة».
- جورج سوروس، مؤسس منظمة المجتمع المفتوح ومهندس الثورات الملونة ضد الاتحاد السوفييتي السابق في أوكرانيا وجورجيا، كما حاول إسقاط مهاتير محمد في ماليزيا.
- جين شارب، صاحب كتاب «الكفاح اللاعنفي والإرشادات التكتيكية لمظاهرات الشوارع».
- بيتر أكرمان، ويعمل في منظمة «فريدوم هاوس»، وهو من تلاميذ سوروس.
- شاريل بينارد، أستاذة جامعية مهتمة بالانبعاث الإسلامي على الطريقة الأمريكية.
- نوح فيلدمان، أستاذ حقوقي أمريكي من أوائل الذين دعوا إلى تبني الحركات الإسلامية في الشرق العربي، وله دراسة عام 2003 تدعو لتبني شخصيات مثل الغنوشي وأردوغان والقرضاوي.
- جاريد كوهين، مؤسس تحالف حركات الشباب واستراتيجية الثورة عبر صفحات التواصل الاجتماعي.
- جيمس جلاس مان، أحد مؤسسي قناة وراديو «سوا» العالمية والقنوات المحلية هنا وهناك التي انبثقت عنها، وكذلك حركة «ثينك تانكس».
- باتريك ماير، مؤسس فكرة «شاهد عيان».
- برنار ليفي، صاحب مبادرة «بيان ضد الشمولية» مع مثقفين عرب معروفين، وهو مقرب جداً من «تل أبيب» بالرغم من مزاعمه عن تأييده لأفكار التغاير عند الفيلسوف الفرنسي اليهودي ليفانس.
أما أبرز الصناديق الممولة لجماعات الثورات الملونة، فهي:
- ما يعرف بوقفيات الحزبين، الديمقراطي (صندوق نيد) والجمهوري في أمريكا، والصندوقان يداران من يهود أمريكان، أبرزهم: روبرت ساتلوف المهتم بالشأن الأردني والسوري وخاصة من خلال كتاباته: «الضفة الشرقية متاعب ومشكلات، الأردن بعد الملك حسين» وهو مكتوب عام 1991، و»الطريق إلى دمشق» عام 2007.
- «المجتمع المفتوح» للملياردير اليهودي المقرب من الحزب الديمقراطي، سوروس، الداعم الأساسي لمعظم الثورات الملونة و»صندوق تدريب الشباب في كانفاس»، و»مراكز حماية وحرية الصحفيين في العالم».
- «صندوق كانفاس ـ الاتبور في صربيا» الذي يمول الحركات الشبابية ويدربها، ويرتبط بعلاقات قوية مع «أكاديمية التغيير» التي تشرف على تدريب الشباب في لندن والدوحة.
- صندوق دعم الصحافة الاستقصائية.
- فريدوم هاوس.
- مبادرة الشراكة مع «الشرق الأوسط».
- معاهد ومراكز أبحاث في كليات جامعية مثل: كارينجي، ييل، وهارفارد.
- «راند» مؤسسة تابعة للبنتاغون وتعد العقل الاستراتيجي للثورات الملونة والربيع العربي وتحالف الإسلام الأطلسي مع الليبراليين.

أترك تعليقاً

التعليقات