مشاورات وهدنة!
 

مرتضى الحسني

مرتضى الحسني / لا ميديا -
عندما تهول الضربات العسكرية اليمنية على الأهداف السعودية، خاصة النفطية منها، تلجأ تارةً للإسراف في قصف المقصوفِ وتشديد الحصار، وتارةً لحشد الإدانات الدولية المتعطشة للوِرْدِ من خزائنها المترعة بمليارات الدولارات، والشمّاعة ذاتها: إمدادات الطاقة العالمية. لكن هذه المرة سلكت منحى آخر اسمه “السلام” المبتدِئ بمشاورتين: سرية وعلنية، ثم هدنة من بوابة الأمم المتحدة. وهذا ليس ارتجالياً، وإنما نتيجة معطياتٍ عدة، هي:
أولاً: جوهر جلوس السعودية إلى الطاولة البُنّية لم يأتِ اعتباطاً، بل نتيجة توالي الضربات القاطعة لعصب الاقتصاد السعودي، المتمثل في أرامكو النفطية وجميع تشعباتها، لاسيما عمليات كسر الحصار الثلاث الأخيرة.
ثانياً: منذ بدأ العدوان والسعودية وتحالفها يصفون ما يحدث في اليمن بأنّه حربٌ أهليةٌ، وأن تواجدهم ليس إلا نصرةً لشرعية منفى مسلوبة القرار والسيادة، منبوذة الأرض والشعب، وثرية اختلاف الأيديولوجيات متنوعات العمالات والولاءات الخارجية ومتوحدات الكراهية والحقد بعضها على بعض، لذلك عمدت علناً لتنظيم ما يُسمى “مشاورات الرياض”، التي جمعت كل تلك الفصائل لجذب الأبصار نحو الرياض، فتُلقي بذاتها في حضن مسقطَ للتفاوض سراً مع وفدِ صنعاء المقيم هناك، مما يحفظ لها ماء وجهها أمام حلفائها وبقيةً من هيبتها الآسنة أمام جيفِ عملائها.
ثالثا: بعــــــد الأمريـــن السابقين أعلنت الأمم المتحدة، بلسان مبعوثها الخاص إلى اليمن غودنبرج، هدنة وافق عليها الجميع، تقضي بإيقاف جميع العمليات العسكرية بشتى أنواعها، وفتح مشروط بوجهتين أسبوعيتين لمطار صنعاء، والسماح لسفن المشتقات النفطية بالدخول إلى ميناء الحديدة خلال فترة الهدنة المؤطرة بشهرين، والتي بدأت فجر الثاني من نيسان/ أبريل الموافق لغرة شهر رمضان المبارك.
الهدنة هي لُبُّ الأمر، فحتى وإن زفّتها كثرة الترحيبات والتفاؤلات، لاسيما الأمريكية والبريطانية، فإنها تفتقر لروح الثقة، خصوصاً نكث تحالف العدوان لاثنتين سابقتين مكّنها من التوغل في الجوف وميدي، علماً أن السعودية ومن خلفها أمريكا وبريطانيا يتفننون بنقض المواثيق والعهود، وهذا جيد، لجعله صنعاء مُدّثِرةً بالحيطة والحذر. 
أيضاً تزمينُ الهدنة بحلولِ رمضان الذي يلجُ ومعه هموم ومعاناة وأوجاع الشعب من آثار الحصار والعدوان، ثم عنونتها بالإنسانية، يؤكد أنّ المقترح أمريكي بامتياز، لِما فيه من براعةٍ في التلاعب السياسي. وهذا يذكرني بمعنى إحدى مقولات بوش في عام 2001 أوردها ديفيد كين في كتابه “حرب بلا نهاية”: “نحن بحاجة لخلقِ شيءٍ إنساني بمناسبة رمضان من إغاثة أو غيرها، مما يُمكِّن الأمريكيين من ربط الإغاثة بجمع المعلومات حول القاعدة وطالبان، وإن رفضت طالبان فهي تنتهك مبادئ الإسلام”، هذا مع العلم بأن طالبان ليست إلا صناعة أمريكية وذريعة لغزو أفغانستان؛ ولكن اليمن ليست أفغانستان، وأنصار الله ليسوا طالبان.
عموماً، الهدنة حيز التنفيذ، وكل الأقوال ليست إلا تكهنات منجمين، خطؤها يغلب صوابها، والحق ما ستترجمه الستون يوماً القادمة؛ إما التزامٌ قد يلحقه سلامٌ مشرف بالتأكيد، وإما إعادة إخراج السيف من غمده؛ فالسيف أصدق إنباءً من الكتبِ.

أترك تعليقاً

التعليقات