موسم الرياض.. مسخ وتدجين
 

مرتضى الحسني

مرتضى الحسني / لا ميديا -
الإخضاعُ والترويض. هكذا يُعرّفُ علماءُ الاجتماعِ التدجين. وهما العصا والجزرةُ اللتان يُساسُ بهما الناسُ من حكامِهم، وإن اختلفا من بلدٍ إلى آخر، كما السعودية.
والسعوديةُ مملكةٌ قامت على الإخضاعِ المبنيِّ على أساسٍ دينيٍّ يوجبُ على الرعيةِ طاعةَ الحاكمِ، حتى وإنْ جلدَ ظهرَهُ وأكلَ مالَهُ غصبَا، مع مجاهرةٍ بمعصيةِ الشارع. والترويضُ كانَ بإقامةِ ألسنٍ في المنابرِ بخطاباتٍ توجهُهم بما لا يخرجُ عن إرادةِ الحاكمِ، وأنّ أيةَ معارضاتٍ قد تحدثُ فإنّها حتماً تستدعي الغضب الإلهي؛ علاوةً على الرخاءِ الماديِّ المتاحِ فيها.
هذا جعلَ من شعبِ المملكةِ يكوّنُ «أنا»، وهذه الأنا هي الملكُ وحدَه، حيثمُا مالَ مالَ الناسُ، فإذا أمسى ذا سياسةٍ متطرفةٍ أصبحَ الشعبُ متشدداً كلٌّ عندَهُ كافرٌ ما يكرهُ ذبحَه، وإنْ أصبحَ الحاكمُ منحلاً أمسى الجميعُ يهزُّ خصرَهُ ويخلعُ لباسَهُ في كلِّ مجمع، كموسمِ الرياض.
وهل أتاكَ حديثُ موسمِ الرياض؟! إذ الناسُ في مهبطِ الوحيِ يلبسونَ أقنعةَ الشياطين، وتُجسّمُ كعبةُ المسلمينَ لتعتليَها الراقصاتُ العارياتُ، وتضجُّ المدنُ بصخبِ الموسيقى العاليةِ، في حينٍ يُحظرُ رفعُ الأذانِ في المساجدِ حتى لا يضيقَ الناس، حناجرُ شحبت صدىً لمغنّيةٍ لا يفقهونَ غناءَها وما همست لآهاتِ أطفالٍ ونداءاتِ ثكالى بلسانٍ عربيٍ مبين.
تحتَ تسميةِ «الثقافةِ والحداثةِ» يتحركُ نظامُ بني سعود بهذهِ المظاهر. والثقافةُ قشرةٌ يُغطّي بها الطفرةَ الانحلاليةَ في المجتمعِ الذي نشأ نشأةً رخوةً فكرياً جُبلت على اتباعٍ أعمى، «نورُهُ» من ذوي اللحى المصنفينَ رجالَ دين، إذاً فافتوا بما تؤمرونَ، ومن أعرضَ فلأسجنَنَّهُ وأعذبنّهُ عذاباً شديدا.
ذات مرةٍ يندبُ تركي الشيخِ، رئيسُ هيئةِ الترفيه، تعسَهُ حينَ الشباب، يتقشّفُ والداهُ ليعطيَاهُ ما يكفيهِ عندَ السفرِ للترفيهِ عن نفسِه، يطيرُ عاماً ويقعدُ آخر. أمّا اليومَ فيتباهى بصنيعِ مولاهُ ووليِّ عهدِه، حيثُ مكّناهُ قعوداً أمامَ كلِّ صدرٍ عارٍ، يُصلحُ بينَ راقصةٍ ومغنية، يلبسُ نظارةً شمسيةً ظُلمةَ الليل، ويقرأُ البسملةَ فيُصفّقُ له أفواج ويسمعُ صفيراً ما نالَهُ أحد.
إضافةً للصِّبغةِ الدينية على التغييرِ في المملكة، بنى ابنُ سلمانَ رؤيتَهُ على الاجتهادِ، والاجتهادُ -فقهاً- إعمالُ العقلِ فيما لا نصَّ فيه، فلا اجتهادَ مع النص؛ لكنّه يتجهُ عكسَ ذلكَ تماماً، ولا غرابةَ في ذلك إذا كانَ كبيرُ مشائخِهِ الكلباني متفنناً في لعبِ الورقِ أنْ يلعبِ في أوراقِ الكتب، لاسيما مع فسادِ تعلمهِ وتكاملِهِ مع اسمِهِ.
وحينَ تُسمعُ فتاوى كهذه، وتمتلئُ الشوارعُ بالخلاعةِ وضياعِ القيم، وتُصوّرُ كلُّ مظاهرِ الدينِ بالتطرف، وقتئذٍ يصيرُ مظهرُ دينِهم قراءةَ البسملةِ افتتاحاً لمصارعةٍ أطرافُها أجانب، والناسُ عُبّادَ لهوٍ، أكبرُ همِّهم حضورُ حفلةٍ لعارضةٍ أمريكية، أقصى أمنياتِهم ازديادُهم فجورا، وكيف يكونون أكثرَ قرباً من الغربِ وبُعداً من العرب، شُغلُ فكرِهم من يفوزُ في مسابقةِ الكلاب، حينها يُطبّعُ ابنُ سلمان ولا يبالي، و«إسرائيلُ» تسودُ المنطقة.

أترك تعليقاً

التعليقات