أنا وخيوط القمر!
 

مرتضى الحسني

مرتضى الحسني / لا ميديا -
التنقل بين الروتين صعبٌ جداً.. هكذا يقول الناس غيري وأيضاً أنا سوى هذه الفترة التي أعيشها بكامل الراحة وأتلذذ فيها بكل دقات لحظاتها.. بدلاً من روتين الجدران الأربعة في غرفتي بالبليلي، بل خمسة بوجودي صرت في فناءٍ لا حائط له ولا سقف إنما أنا والسماء والجبال والقمر والهواء هكذا عيناً بعين.
بعيداً عن صنعاء بعشرات الكيلومترات، هنا في قريتي المتربعة على بساط العدين وضفاف وادي عنه في محافظة إب ارتميت -بعد جهد الامتحانات الذي أتلفني من كل النواحي الفكرية والجسدية والمعنوية- في أحضان الجبال وأتقلب بين أغصان الطبيعة أتنفسها من جميع أنحائها.
صحيحٌ أنّ جلدي الذي أَلِف صنعاء وجوها قد تقوّى إلى حدٍ ما واعتاد على الطقس البارد أصبح يعاني حرارة الطقس في العدين وفوقها حفلات البعوض (النامس) التي تُقامُ حولي كل ليلة أصعد فيها السطح وأحتفل فيها مع القمر الذي يتراقص كل يوم أمامي بتنقل مطالعه سواءً بتكامله أو بحركات إغرائه في كل يوم ينقص تمامه فيها.
بما أنّي شابٌ وفي العشرينيات المباركة من العمر فإنّ هذا بلا شك ومن ضروريات العصر -السيئ- يجعلني ذا روتينٍ ليلي أعشق السهر وعيشي في اليمن لا يكمله بدون القات والتخزينة التي يزيد نشوتها (خِدّارتها) روعة المُتكئ (المدكى) تحت ضوءِ القمر، وأعقدُ على خيوط ضوئه تأملاتي ومشاهداتي على تفاصيل بلادي التي يُفوّتُني رؤيتها نهاراً كثرة النوم حتى العصر، وهذا بالنسبة لي أجمل فمع كون ضوء القمر ضعيفا مقارنةً بالشمس لكنه أصفى مع هدوء الليل وأجمل لتبيينه ملامح تحتاج تدقيقاً أعلى وتُبدي الأرض كأنها لوحة مرسومة بالفحم تثملُ طرفي الممتد طويلاً لإمعان النظر فيها.
خيوط ضوء القمر ليست ثابتة حولي بل متحركة وتجر معها نسائم نفختها شفاهُ أزهارٍ مغروسة على طول الوادي، وتذيب عني عناء عامٍ وأكثر راكمه البعد في صنعاء وتلقح في جسمي انتعاشاً أزدادُ معه اندفاعاً في العلم والعمل نحو مستقبلٍ مجهول لم أرسم ملامحه بعد، ربما سأبدأ فيها بعد حين لكنّي الآن هائمٌ بين أصقاع المكان نظراً وجسماً وسواح بطرب حليم وأم كلثوم وألحان بليغ والسنباطي سمعاً وحساً، كلما انتهى تعيده لطافة المكان من جديد.
من جور الزمن أن يُحجب عنّي القمر وروعته ونسائم الليل التي تسري تحته وجمال الأماكن الريفية وخضرتها بالمدنية الزائفة، تطاول الأشجار أبدله عني تطاول البنيان وألوان الأزهار وأنفاسها العبقة طغى عليه البلاستيك وروائحه النتنة، ويؤرقني الشوق في المدينة لرؤية أشجار مورقة بشوك ويزيدني شوقا فمن أشكو لمن؟!

أترك تعليقاً

التعليقات