آثارٌ من بقيةِ الله
 

مرتضى الحسني

مرتضى الحسني / لا ميديا -
اليومَ، بعدَ خمسةَ عشرَ شهراً، يقفُ التاريخُ على بابِ غزّةَ يخُطُّ بالدّمِ قصةَ رجالٍ توثقوا حبالاً متينةً معقودةً من إرادةِ اللهِ وقوّتهِ، وكلّما وضعَ حرفاً اقشعرّت ظهورُ الأقلامِ والأوراقِ، إذ تُروى عليها كراماتُ شعبٍ قُصِف بملايينِ القنابلِ المتفجرةِ وهُدِّمت بناياتُهِ على رأسِهِ حتى سُوّيت أرضاً، ليشهدَ العالمُ سباقَ المنايا الذي لا يميزُ أحداً من أحدٍ، ينتشرُ كالريحِ حتى بلغ كلِّ بيتٍ وخيمةٍ ومن خلفِهِ قومٌ عرايا الأخلاقِ والقيمِ وصُمّ البصيرةِ والبصرِ سُجناء الظنِّ بأنّ قوةَ الفتكِ والبطش ستجلبُ لهم نصراً مؤزرا، لِيَفزَعَ كبرياء من بينِ تلك الدماءُ يضيقُ بها نطاقُ الدنيا الواسعة غدَتْ بهِا أشلاءُ الطفلِ وعويلُ النساءِ واشتعالُ النيرانِ في جثثٍ وأجسادٍ طاهرةٍ كلَّ يومٍ موتاً لكلِّ سائقِ موتٍ يبغي فناءً وتهجيراً لغزةَ وأهلِها.
عامٌ وثلاثةُ أشهرٍ كانت غزةُ وحدَها الصوت، ووحدَها الصدى، وما العالمُ، كلّ العالمِ، إلا نطاقُ صداها، أضحت وحدَها الحقّ، وكلُّ قولٍ ينطقُ بلا رضاها نفاق، إذ هي صوتُ مظاليم العالمِ أجمع، وفيها عرسُ الدماءِ صداقٌ لكلِّ شعبٍ حُرٍّ جنْدلتْهُ عذاباتُ الطاغوتِ الأكبر. وكانت الرؤوسُ الملقاةُ على صدرِها قِبلةً تزحفُ إليها من كلِّ فجٍّ جميعُ الأكتافِ والأعناق. واليومَ صارت غزةُ رأسَ كلِّ حرٍّ قطعَهُ سيفُ الحاكمِ أو مشنقةُ المحتلِّ في كلِّ مكان. وبانتصارِها اليومَ يسعى إليها حنينُ النفوسِ وشوقُها لمناقبَ فُهرست على جبينِ دهرٍ مليءٍ بالخزيِ والذلِّ والعار، فهذا يومٌ صوتُ الإيمانِ فيه يستنطقُ صوتَ الرصاصِ بغلبةٍ: لمنِ الملكُ اليومَ؟! أليس لأكفِّ الحقِّ ومتراسِ الجهادِ الرابضِ على أرضٍ ملك أهلِها لا غاصبيها الذين تداعوا من كلِّ فجٍ عميق؟!
ما بينَ صباحِ السبت وصباحِ الأحد 471 يوماً من الإبادةِ الجماعيةِ في غزة، لم تقف فيها الحربُ يوماً، ولم تبرح قذائفُ «الياسين» تُتلى على «الميركافا» و»النمرِ»، أعتىَ السلاحِ المُطرّزِ بالتكنولوجيا يخرُّ أمامَ عبوةِ «شواظ» يُلقيها مجاهدٌ حافي القدمين، إذ العبوات ليست إلا سبباً للتدميرِ، في حينٍ تتجلى قوةُ اللهِ كلما أردوا تنكيلا. 471 يوماً وقتلُ الصهاينةِ يدوّي في شوارعِ غزةَ صفعاً بالريحِ وخنقاً بالأنفاقِ، ترابُ غزةَ يشربُ دمَ المحتلِ - ولا يكادُ يسيغه. من ينسى شمالَ غزة في جباليا وخان يونس وبيت حانون؟ وكم أوغلَ فيها العدوُّ تدميراً للمباني، عسى أن يستأصلوا المقاومةَ؟! وما نراهُ إلا ينقصُ وتزيدُ المقاومة. يمشي على الأرضِ يستعرضُ لفَّ البندقيةِ أمامَ الكاميراتِ، الذي لا تخافُ منه إلا الأعراب الخانعة في وقتٍ تتربصُ فيه المقاومةُ ترصدُ كلَّ رأسٍ فتصيدُهُ صيدَ البط في موسم التكاثر.
ما بينَ بدايةِ الطوفانِ ونهايتِه نمَت طموحاتٌ وأحلامٌ باستيطانِ غزة، وأتى الجنرالاتُ المترعون بالدمِ الفلسطيني والعربي بخططٍ سمّوها باسمهم «خطة الجنرالات»، يفصّلون غزةَ بمقاساتِهم، وتلك تفصيلاتٌ تندرجُ تحت ما يُسمّى الشرقُ الأوسط الجديد، الذي يزيدُ من مساحةِ «إسرائيل» على حسابِ أهلِ الأرض، والطوفان أفشلَهُ كما أفشلَ تطبيعَ المملكةِ السعودية الذاهبةِ إلى التطبيع كما قال أنتوني بلينكن في العاشر من أكتوبر 2023، وأعاد للقضية الفلسطينية وهجاً تداعت عليه الأممُ لتُطفئه؛ ولكنّها قضيةٌ من نورِ اللهِ، واللهُ مُتِمُّ نوره ولو كره الكافرون.

أترك تعليقاً

التعليقات