ثورةُ الورد!
 

سيف الدين المجدر

سيف الدين المجدر / لا ميديا -
تحديد الأولويات ومعرفة ما نريده وتوجيه كل الإمكانيات التي نمتلكها مهما كان حجمها، لتحقيق المهم فالأهم من هذه الأولويات، هي الاستراتيجية السليمة. ولكن عندما لا نعلم ماذا نريد، أو نعلم ولكن لا نعمل وفق ما تتطلبه الأولويات، فلن نحقق شيئاً على الإطلاق. هذا الأمر ينطبق على الاستراتيجيات التي تضعها أي من مؤسسات الدولة في سبيل تحقيق أي هدف مهما كان نوعه، بينما الضبابية وتشتيت الجهود حتى وإن كانت كلها جهوداً إيجابية ولكنها متفرقة عن خدمة الهدف الرئيسي والطموح الذي وضع لتحقيقه في الأساس، تظل مجرد جهود فارغة ينتج عنها إمكانات مهدرة وفشل استراتيجي على المدى البعيد.
وضعت وزارة الزراعة "الاكتفاء الذاتي" هدفاً لها. وهذا الهدف عظيم جداً ويمكن تحقيقه بالتوجيه الصحيح للإمكانيات الموجودة. والاكتفاء الذاتي يعني التوجه نحو إنتاج الغذاء كأولوية، مثل القمح والحبوب والبقوليات وغيرها من المزروعات التي تمثل أولوية قصوى في جانب الاكتفاء الذاتي الغذائي.
الهدف واضح، وهو تحقيق الاكتفاء الذاتي، والرؤية واضحة بحسب الأولويات وطبيعة المرحلة، إلى جانب توفر الإمكانيات والأرض الطيبة والخبرات والجوانب الإعلامية (الإرشادية) ومؤسسات ثورية ولجنة زراعية عليا شُكلت لتسند وتدعم هذا الهدف العظيم الذي هو بمثابة ثورة شعبية ضد الوصاية الاقتصادية.
غير أن قيادة وزارة الزراعة وقعت في فخ الضبابية وتشتيت الجهود، حتى وإن كانت إيجابية أو سلبية. أنا كمواطن عندما علمت عبر عدة مواقع رسمية أن قيادة وزارة الزراعة وفي هذه المرحلة الحرجة تدشن مشاتل الورد الجوري (الأحمر) وتطمح إلى الاكتفاء الذاتي منه، وتدعو المستثمرين للاستثمار في هذا الجانب، علمت عندها أنهم وقعوا في فخ ضبابية الأولويات وتشتيت الجهود. أنا لا أقول إن أمر الاكتفاء من الورد الأحمر خاطئ، ولكن توجيه أنظار الناس عن الأهداف والأولويات التي وضعتها بنفسها، ليس من الحكمة في شيء، بل دليل تخبط وعدم وعي.
بالله عليكم أي منطق يتقبل ما تقومون به يا قيادة وزارة الزراعة؟! هل تعلمون أننا في معركة شعواء مع أطغى وأشرس عدوان كوني؟! هل تعيشون مع هذا الشعب الذي يقف لأشهر على أبواب المنظمات من أجل أن يحصل على مكيال الإهانة، مكيال من السوس عبر المحيطات ليصل إلى أبناء شعبنا الشرفاء؟! هل أنتم حقاً تتلمسون حاجة هذا الشعب، إذا ما انعدم الغذاء بفعل الأعداء؟! هل ستقفون أمام الشعب وتقدمون له الورد الأحمر، وعندها إما أن نقع في غرام الارتهان الخارجي أو نموت أنفةً من فرط هجر الغذاء وانعدامه.. "الاكتفاء من الورد" ليس طموح شعب تعصف به التحديات.
هناك موضوع آخر أيضاً، وهو ما سموه "ثورة البُن"، حيث قالوا إنها ثورة زراعية، فأي ثورة هذه ضد الوصاية الاقتصادية محصورة في محصول واحد.. نعم زراعة البن مهمة وعظيمة وندعم هذا المسار بكل قوة، ولكنه ليس من الأولويات. نحن نريد القمح وأنواع الحبوب والبقوليات. لن نصمد في الخنادق بدلال القهوة الفاخرة. وإلى الذين يقولون إن البن محصول يجلب لنا الدولارات، أتفق معك ياعزيزي في ذلك، لكن اعلم أن صمود الخنادق لا علاقة له بالدولارات، وعندما لا تجد ما تأكل ستهلك ودولاراتك أمام ناظريك.
نحن نرى ونلمس جهوداً عظيمة من كل الجهات المعنية في الجانب الزراعي، ولكن يجب أن تكون مركزة نحو الأولويات عملياً وإعلامياً، والتي تتمثل في القمح والحبوب بأنواعها والبقوليات. حتى أبسط الإمكانيات يجب أن تسخر لهذا الهدف فقط. والشعب لديه عزيمة قوية وقائد عظيم وحكيم وكل ما ترونه مستحيلاً سوف يتحقق، فهذه ليست مجرد طموحات، بل إيمان مطلق بالعزيز المقتدر، "والله على كل شيء قدير".

أترك تعليقاً

التعليقات