التهجير في زمن التهريج
 

إيهاب زكي

إيهاب زكي / لا ميديا -
لا يجب أن نطمئنّ لأنّ تصريحات ترامب بشأن تهجير الغزيين مجرد كلامٌ تهريجيّ، بل يجب إعادة تقييم قدرة المقاومة على الديمومة والبقاء، وتطوير القدرات التسليحية، وإعادة الروح لمحور المقاومة، الذي شكّل -ولا يزال- النواة الصلبة لمواجهة كل مشاريع التصفية؛ لأنّ المستهدف هو الجميع دون استثناء، بمن فيهم المهرجون.
قد تبدو تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن تهجير الغزيين إلى مصر والأردن فعلاً تهريجياً؛ ولكن المعضلة الكبرى هي أنّ هذا المهرج هو رئيس أكبر إمبراطورية في التاريخ، كما ترافق وجوده على رأس هذه الإدارة مع زمن التهريج، حيث كانت شعوب عربية تُذبح على البث المباشر، فيما يتلهّى الحاكمون العرب بسخافاتهم، وتتلهّى الشعوب باستهلاك تلك السخافات والتفاهات.
ينطلق ترامب بتهريجاته تلك من كونه رجل عقار أولاً، وشخصية استعراضية ثانياً، وعلاقته الوطيدة بمجرم الحرب بنيامين نتنياهو ثالثاً؛ فهو يتعامل مع الأمر باعتباره نزاعاً عقارياً، وبالتالي فهو قابل للحلّ بأسهل الطرق، حيث المال مقابل الأرض، أو الفرصة مقابل الأرض. وهو يعتقد كذلك بأنّ الزعماء العرب ليسوا أكثر من موظفين لديه، خصوصاً أنّه خبِرهم في فترته الرئاسية الأولى.
كذلك فهو يرى أنّ سهولة توقيع «اتفاقات ابراهام» تنسحب على مشروع التهجير، سهولةً ويسراً. كما يرتكز إلى تجربته في قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، حين تم تحذيره من أنّ الأمر قد يفجر المنطقة برمّتها؛ ولكن بعد صمت دكّة غسل الموتى، الذي التزمه العرب، حكاماً ومحكومين، قال: أرأيتم؟! لم يحدث شيء، فلماذا سيحدث الآن؟!
وترامب لا يكتفي بالتهريج في منطقة الشرق الأوسط، بل يمارس التهريج أينما حلّ وارتحل. تصريحاته عن ضم كندا باعتبارها الولاية 51، والاستيلاء على قناة بنما، وغرينلاند، هذا يعطينا قرينة على أنّ الرجل لا منطلقات أيديولوجية لديه، بل هي أفكارٌ مستوحاة من حياته الاستعراضية أولاً، ومن طبيعته التجارية ثانياً.
ولكن، بما أننا نعيش زمن التهريج، فإنّ أفكاره تلك لن تكون حفلة مدفوعة الأجر تنتهي بانتهاء العرض، بل سيكون لها تداعيات خطرة على مستقبل المنطقة؛ لأنّ المستهدفين باستقبال الفلسطينيين، يعتبرهم ترامب أوهن من رفض أوامره أو حتى أمنياته، بل وخيالاته، وكما ألمح للمعونات والحماية التي تقدمها لهم أمريكا حين قال: «سيفعلون ذلك، فنحن نفعل الكثير من أجلهم»، وطبعاً، هذا الكثير قد يتوقف في حال رفضهم.
المهرجون العرب تسقط من لغتهم حروف الرفض إن كان ترامب هو الآمر الناهي، وتتلعثم ألسنتهم بحرفي اللام والألف (لا) حين يكون ترامب من يخاطبهم، لذلك فإنّ الاعتماد على مواقف أولئك المهرجين في إفشال تصورات ترامب هو رهانٌ خاسر وبلا معنى، إنّما الاعتماد فقط على المقاومة، والتمسك بها كسبيلٍ وحيد لمجابهة المهرجين وزمنهم.
فالوزير مجرم الحرب سموتريتش يقول: «إنّ المعتدلين في الإقليم يطلبون منّا في الاجتماعات المغلقة سحق حماس»، وهو يدفع باتجاه العودة لحرب الإبادة؛ لأنّ هذه هي الطريقة الوحيدة لسحق حماس، وبالتالي فهي الطريقة الوحيدة ليلبّي المهرجون العرب كل مطالب ترامب وأمنيات سموتريتش بإفراغ غزة من أهلها.
في ظلّ حرب الإبادة على مدى ستة عشر شهراً، حاول الكيان العدو بكل ما أوتي من إجرامٍ وهمجية، تطبيق خطة التهجير؛ لكنه اصطدم بعدة وقائع قاسية وبعض الحقائق الصلبة، تتلخص جميعها في بندين: الأول هو: صمود الشعب الفلسطيني وإصراره على البقاء في أرضه. أمّا الثاني فهو: عدم قدرة العدو على سحق المقاومة، بل على العكس، فإنّ ما سُحق هو أهداف العدوان، وقدرة جيش العدو على تحقيقها.
وبالتالي، طالما هناك من يمتشق بندقيته ويتنقل من شارعٍ إلى زقاق، لا يستطيع المهرجون العرب إعلان انصياعهم لأوامر ترامب بالتهجير؛ لأنّه حينها سيكون تهجيراً لمقاومين لا للاجئين، وبالتالي سيكونون بمثابة قنابل موقوتة ستنفجر في وجوه الجميع، خصوصاً وجوه المستقبلين، وهذا سبب طلبهم من الكيان سحق حماس وفصائل المقاومة، حتى يستقبلوا لاجئين معذبين، في صورة عملٍ أخويّ إنقاذيّ إنساني يستحقون عليه شكر الاستضافة والحماية والإجارة.
لا يجب أن نطمئنّ لمجرد أنّ هذا كلامٌ تهريجيّ، بل يجب إعادة تقييم قدرة المقاومة على الديمومة والبقاء، بل وتطوير القدرات التسليحية، كذلك إعادة الروح لمحور المقاومة، الذي شكّل -ولا يزال- النواة الصلبة لمواجهة كل مشاريع التصفية؛ لأنّ المستهدف هو الجميع دون استثناء، بمن فيهم المهرجون.

أترك تعليقاً

التعليقات