إيهاب زكي

إيهاب زكي / لا ميديا -

تسمى حكومة المناصفة، أو حكومة «الشرعية» في أقوالٍ أخرى، 
والحقيقة أنّها حكومة المناكفة والمناتشة، حكومة لا تمتلك سوى صلاحية السمع والطاعة لمراهقي السياسة محدثي النفوذ في محميات النفط. ومن أبرز إرهاصات فشل هذه الحكومة خطابها السخيف بعد تفجيرات مطار عدن، حيث يبدو أنّه خطابٌ لمكونٍ لا يعيش الواقع، فقد تم اتهام أنصار الله مباشرة بالمسؤولية عن الهجوم، وهذا دليل إفلاسٍ استراتيجي وعبوديةٍ سياسيةٍ وخواءٍ أمني، 
وهو كذلك دليل تدهورٍ أخلاقي وعمى ضميري.
أمّا الطامّة الكبرى في الخطاب ففي الشق الثاني منه، حيث تنافخت الحكومة بالاستعداد لإنهاء ما سمته «الانقلاب»، وأنّه حان التوجه إلى صنعاء لبسط «الشرعية» وسلطة الدولة، والحقيقة أنني لم أعرف أيهما الأكثر كوميدية، تصريحات الحكومة هذه، أم تصريحات مستشار ابن زايد الأسبق، عبدالخالق عبدالله، الذي أعلن قدرة الإمارات على استعادة جزر طنب الكبرى والصغرى وأبوموسى خلال 48 ساعة، لولا جنوحها للحلول السلمية، ثم استدركت أنّ هذه الحكومة منتج إماراتي سعودي مشترك، وبالتالي فأصل الكوميديا يمتد للفرع.
تساءلت أول سماعي لخبر استهداف المطار: هل كان هناك سفير سعودي في استقبال الحكومة؟ أو هل كان ضباط إماراتيون في استقبالها، كما جرت عليه العادة البروتوكولية منذ احتلال بعض اليمن، حيث حدث أكثر من مرة أن يقوم هؤلاء باستقبال أعضاء في حكومة هادي؟! ولكن يبدو أنّه لم يكن أيٌّ منهم في استقبال الحكومة المفلسة الجديدة، ولم أتوقف كثيراً عند أسباب هذا الجفاء المتعمد، ولكن السؤال الذي سألته لنفسي وأعتقد أنّه أهمّ من التساؤل الأول، هو أنّ من قام بهذا الفعل كان قادراً على إعدام جميع الوزراء بسهولةٍ شديدة، فلماذا لم يفعل؟!
وبغض النظر عن توقعاتي للإجابة، والتي لا أودّ المجازفة تحليلياً بإشهارها على الملأ، فإن هذا السؤال بحد ذاته يستبطن تبرئة مطلقة لأنصار الله من الفعل، فلو كان أنصار الله بالفعل يلتفتون لحكومات هادي الذاهبة والآتية، ويعتبرونها فعلاً تشكّل خطراً عظيماً، لكانت الصواريخ أو المتفجرات أو أياً كان السلاح المستخدم، أصابت الطائرة التي تقلّ أعضاء الحكومة، أو تم انتظار دخولهم إلى الصالة، ليتم التخلص منهم دفعةً واحدة، حتى يتخلص أنصار الله من خطر الحكومة.
أعتقد جازماً أنّ أنصار الله يتابعون أخبار تشكيل حكومات هادي، بالاهتمام ذاته الذي يتابعون به أخبار قيلولة دبّ «الباندا» في حدائق الصين؛ فأنصار الله يعرفون أنّ هذه الحكومات هي مجرد أدواتٍ للعدوان، مهما تغيرت الوجوه والتسميات والأطراف المشاركة، وأنّهم لا يشكلون فرقاً في مجريات الصراع، حتى من يسمى «رئيس الشرعية» لا يشكل فرقاً، فهو مجرد موظف سعودي، وللإنصاف لا أستطيع الجزم إن كان موظفاً في الديوان الملكي أم في وزارة الخارجية، وللإنصاف أكثر فلا أعرف رتبته في السلم الوظيفي.
وقد أحسنت حكومة صنعاء توصيفاً حين علقت على التفجير باعتباره «صراع المرتزقة»، ونفت مسؤوليتها عن التفجير، فالعدوان الذي يرزح تحته اليمن هو المعضلة التي يتصدى لها اليمنيون، وليس «أراجوزات» يأتون ويذهبون بجرةِ مزاجٍ من هذه المحمية النفطية أو تلك، وهو عدوانٌ أمريكي صهيوني بأيدٍ سعودية إماراتية ومرتزقةٍ من اليمن ارتضوا العبودية ديناً، وجعلوا من بلادهم عرضةً للتناوش والتقسيم والتطبيع، ولذلك فحين يتوقف العدوان الخارجي، لن يهتم أنصار الله كثيراً بمن يكون في الطرف الآخر من طاولة الحوار، فاليمنيون يستطيعون التوصل إلى اتفاقٍ يحقن الدم ويمنع تقسيم الجغرافيا ويحمي اللُّحمة الوطنية.
إنّ الهزيمة يتيمة، وللنصر ألف أب، والهزيمة التي منيّت بها قوات العدوان على اليمن قاسية بما يكفي لتجعلهم يتناتشون غنيمة الجنوب ويتكالبون عليها، فالإمارات التي تسيطر فعلياً على عدن عبر مليشيات دربتها وسلحتها، ليس من السهل أن تقبل بمناصفة الغنيمة مع ابن سلمان عبر حكومة إمّعات، تسعى من خلالها الإمارات عملياً للاستيلاء على النفوذ السعودي إقليمياً، لتصبح هي القاطرة الوحيدة في المنطقة. ومن استهدف المطار أثناء وصول أعضاء الحكومة كان يريد القول: ليس مرغوباً بكم، وأنّ هذه الغنيمة غير صالحةٍ للقسمة.
والحقيقة أنّ كل هذا العبث هو عبثٌ مؤقت، حيث إنّ اليمنيين -طال الزمن أمّ قصر- لن يرتضوا عن وحدة بلادهم بديلا، كما أنّهم لن يرضخوا لتكون اليمن مرتعاً لـ»إسرائيل» براً وبحراً وجواً، كما تسعى الإمارات وأزلامها لفرضه، ولن يفرّطوا في سيادة قرارهم مهما اشتد العدوان قسوة وألماً، وعلى دول العدوان ومرتزقتها أن يدركوا أنّ الاعتراف بالهزيمة اليوم أقل كلفةً من الإقرار بها غداً، وأنّ الإقرار بها غداً أقل ثمناً من الاعتراف بها بعد غدٍ، فبعد 2100 يوم من العدوان الوحشيّ والمتواصل، والصمود المعجز للشعب اليمني، لا عقل لمن يقرر مواصلة العدوان، كناطح صخرة يوماً ليوهنها... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل، مع أنّ محور المقال هو الثور.


كاتب فلسطيني وباحث في الشؤون السياسية.

أترك تعليقاً

التعليقات