خريف الصهيونية.. ربيع التطبيع
 

إيهاب زكي

إيهاب زكي / لا ميديا -
من المستحيل أن يقدم أحدُ خونة اليوم للكيان، ما قدمه أحمد فوزي باشا لدولة محمد علي الناشئة؛ ورغم ذلك لم تتوان تلك الدولة عن التضحية به؛ لأنّ موازين الصراع لم تكن لتسمح بالاحتفاظ به، فضلاً عن تحمل أعباء حمايته، بينما بالمقاربة فالكيان "دولةٌ" آفلة، والخيانات لصالحه هي في الوقت الضائع، والاحتفاظ بالكيان كله غير مضمون، وليس بعملائه فحسب.

في الوقت الذي يبرز فيه الخوف على مصير الكيان المؤقت، من أعلى المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والأكاديمية في الكيان، نجد العكس تماماً في بعض عواصم التطبيع، حيث يعتقدون بجبروت الكيان وقوته القاهرة، وهذا لا يعني سوى أنّ الخيانات جينية لا دواء لها.
خلافاً للحديث عن زوال الكيان من أعلى المستويات فيه، والذي تناولناه سابقاً بالكثير من المقالات، نسوق مثالاً واحداً فقط هنا، وهو عن الخبير الاستراتيجي الأشهر في الكيان والمستشار السابق بوزارة الحرب وعضو لجنة فينوغراد، "البروفيسور" يحزقيائيل درور، فكانت أشد المخاطر التي توقعها في كتابه "التوجهات الأمنية والسياسية لإسرائيل"، نشوب حرب مدمرة مع حزب الله، وما يعقبها من استفهامات حول مصير "الدولة".
إنّ متابعة الخطاب العبري لا تخلو إطلاقاً من السؤال الأكبر والأشد رعباً: متى سيزول الكيان؟ وكيف؟ حيث انتهاء مرحلة السؤال الابتدائي: "هل سيبقى الكيان؟" وكأنّه سؤالٌ من أزمنةٍ مضت.
وهذا على عكس ما يظهر من متابعة إعلام النفط ومطبعيه، حيث يبدو الكيان في ذروة قوته وكامل استعداداته، بل وإنّ مجرد التفكير بمواجهته أوسع دروب العبث، هذا فضلاً عن بعض الأدوات الداخلية، التي تمارس الخيانات دون حساب الوقائع. لا يدركون أنّ الوقائع الميدانية وموازين القوى، لا تخدم طموحاتهم الخيانية، التي ترتدي ثياب السياسة ووجهات النظر، أو لا يدركون سنن التاريخ، أنّ أوّل من سيبيعهم بثمنٍ بخسٍ، هم من خانوا من أجلهم.
يذكر التاريخ أنّه بعد انتصار محمد علي، والي مصر، في معركة "نصيبين" على الجيش العثماني، سلّم قائد الأسطول العثماني أحمد فوزي باشا نفسه لجيش محمد علي، وأهداه الأسطول العثماني، والذي كان سر الإمبراطورية العثمانية، بالإضافة لأكثر من عشرين ألف مقاتل قوام الأسطول، وتم استقباله في ميناء الإسكندرية استقبال الأبطال الفاتحين.
ظل السلطان العثماني يطالب مصر بتسليمه، إلى أن قام الخديوي عباس حلمي، بعد أربع سنوات من الاستقبال الحافل، بإصدار أمرٍ بإعدام أحمد فوزي باشا، وأمر والي الإسكندرية بتنفيذ أمر الإعدام، فدعاه الوالي لشرب فنجان قهوة، واستقبله على باب القصر، وقدم له فنجان قهوة، وكان حاكم الإسكندرية (زكي أفندي) يتبادل معه أطراف الحديث، وكان أحمد فوزي باشا يشرب القهوة ويبادله الحديث وهو يدرك أنه فنجانٌ مسموم، وأنّه الفنجان الأخير، لكنه أهون من مواجهة السلطان العثماني، وأهون من مواجهة شعبه، ثم خرج من عند الوالي إلى بيته، وفي اليوم التالي أًعلن موته، كأنّها وفاةٌ طبيعية.
من المستحيل أن يقدم أحدُ خونة اليوم للكيان ما قدمه أحمد فوزي باشا لدولة محمد علي الناشئة، ورغم ذلك لم تتوان تلك الدولة عن التضحية به، لأنّ موازين الصراع لم تكن لتسمح بالاحتفاظ به، فضلاً عن تحمل أعباء حمايته، بينما بالمقاربة فالكيان "دولةٌ" آفلة، والخيانات لصالحه هي في الوقت الضائع، والاحتفاظ بالكيان كله غير مضمون، وليس بعملائه فحسب.
إنّ محاولة الخونة على مرّ العصور التفلت من المصير ذاته، باءت بالفشل في غالبيتها العظمى، ورغم ذلك لا يرعوي خونة كل عصرٍ عن الخيانة، ويظنون بسنن التاريخ الظنون، وأنّهم الأذكى والأقدر على الاحتفاظ بغنائم خياناتهم، فضلاً عن الحفاظ على وجودهم.
قال المراسل العسكري لموقع "واللا" العبري، أمير بوخبوط، بعد معركة "الفجر الصادق" -وبحسب التسمية "الإسرائيلية" وحدة الساحات- وعلى خلفية رياح الحرب مع حزب الله، إنّ "كل ما حدث من إدارة عمليات وبنك الأهداف، وطائرات تملأ الأجواء، لا يكفي لوقف حزب الله عن إطلاق آلاف الصواريخ، ما يحتاج لدخول القوات البرية بتدمير المنصات منصةً تلو أخرى".
ولا أعرف إن كان بوخبوط وهو يكتب عن ضرورة دخول القوات البرية إلى لبنان، بهدف تدمير منصات الصواريخ، يفكر في تغطية الحدث كمراسل عسكري بحكم مهنته، أم يفكر بتجهيز حقيبة السفر بحكم صهيونيته، لأنّ العالم لن يكون بحاجة لمراسلين عسكريين، حيث قال السيد حسن نصر الله إنّ كل الفرق والألوية التي ستدخل لبنان ستتم إبادتها على الهواء مباشرة، أيّ أنّ الإعلام الحربي للحزب سيتكفل بمهمة النقل لجميع وسائل الإعلام العالمية ومجاناً.
أمّا الخونة في لبنان فإنّ منجاتهم الوحيدة هي أنّ أخلاق حزب الله لا تسمح بسياسة القهوة المسمومة، كما لم تسمح بـ"ضربة كف" في عام 2000، وهذا بعكس أخلاق الثورة الأيقونة في فرنسا، والتي نصبت المقاصل حتى غرقت بالدم. أمّا في عواصم التطبيع فعليهم التفكير ملياً بوظيفةٍ جديدة لدى سادةٍ جُدد.

أترك تعليقاً

التعليقات