فرصة تحريرٍ ليست تضيع
 

إيهاب زكي

إيهاب زكي / لا ميديا -
إن لم تكن هذه فرصة لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، فهذا يعني أنّ التحرير ليس ممكناً في هذه اللحظة، ورغم أن زوال الكيان هو عين اليقين، لكن ليس الآن، لأن هناك من ارتأى أن الوقت غير مناسب، وأن امتلاك القدرة على ذلك لم تكتمل بعد.
لا أحد في قطاع غزة يريد رؤية هذه السحنات البائدة، التي تخرج عليهم كلما قرر الكيان المؤقت التفنن في قتلهم، وجوهٌ تعتليها قترة الذل عليها غبرة العبودية، يرتدون حلتهم الفاخرة ليحدثوهم عن جهودهم لوقف النار ونقل المساعدات، تسميهم نشرات الأخبار بالفخامات والجلالات، بينما هم ليسوا أكثر من خُشبٍ مسنّدة، يعرفون جيداً ماذا يريد منهم سادتهم في واشنطن و"تل أبيب"، ويعرفون كل الطرق التي تؤدي لرضاهما.
في قطاع غزة لا أحد ينظر لشاحنات المساعدات، ليس لعدم وجود حاجة، بل لأن العيون شاخصة نحو السماء، التي تلقي بحممِ النار على مدار الساعة، لا شيء يعلو على الرغبة في تحقيق الأمان، أمان لا يحققه استجداء الفخامات والجلالات، بل يزيده بعداً شاسعاً. الأمان لا يحققه سوى زوال الكيان، وهذا الزوال لم يعد مجرد حلمٍ في خلجات الموقنين، بل أصبح قاب قوسين أو أدنى.
ولكن ليس من المستبعد أن يأتينا التقويم بما لا تشتهيه الأنفس الشمّ، ويصبح التأجيل هو نقطة النهاية لهذا الفصل من جرائم العدو، التي يرتكبها في أشد حالات ضعفه ووهنه، ونرتكب نحن أشد ترددنا في أوج حالات قوتنا، ما يحدث في غزة لا يمكن إلّا أن يكون هيكل حربٍ تحريرية، والمأساة التي لا يمكن تقبلها، هي أن ينتهي الأمر على قواعد جولة قتالية، نقتلها بحثاً عن المنجزات الاستراتيجية، وتراكم الانتصارات ومراكمة خسائر العدو.
هؤلاء الطيارون الذين يمارسون القتل الممنهج والمنظم عن سبق إصرارٍ من علٍ، كيف سيقتنعون أنّهم هُزموا طالما لم يتم تسليمهم لعوائل الشهداء، الذين قد لا نعثر عليهم، لأن هناك عائلات بأكملها شُطبت من السجل المدني؟ ولكن كل الشعب عائلة الشهداء.. ومن سيقنعهم أنهم على شفا الزوال وهم تلذذوا قتلاً وبكل أريحيةٍ كأنّهم في رحلة صيد، دون أن يتجرأ عربي على خدش حتى بزاتهم ولا طائراتهم؟
إنّ الحروب الكبرى ذات أثمانٍ عظمى، ولكنها حين تكون نصف حربٍ سندفع نصف ثمن، لكنه النصف الآخر مؤجلٌ وليس مُلغى، نصف الحرب لا تحرر وطنا، ونصف الحرب لا تجعل المستقبل مشرقاً، بل ملبداً بحمم موعد الاستحقاق لنصف الثمن الآخر.
والأهم أنّ الكارثة التي قد تكون محدقة، في حال نصف الحرب، هي أن تنتهي في حجور المطبعين المتأسرلين، حين يتدخلون لوقف النار بعد أن يكون الكيان المؤقت شفى غليله، واستثمر في القتل حتى الثمالة لترميم صورة ردعه، فيأتي هؤلاء بأوهام الإعمار وخبالات البحبوحة تحت أزيز الطائرات المتأهبة في كل وقت لتدمير كل ما عُمّر.
لم تقم دولة مطبعة واحدة بطرد سفير الكيان، أو حتى استدعائه للاحتجاج، ويكأنهم يشدون على أياديهم، وهذا ما يجعل احتمالية أن تصب النهايات في حجورهم أمراً وارداً، فلا يوجد تفسير لهذا السلوك، بعيداً عن نذالاتهم سوى ذلك، حيث لا يجب ترك الساحة فارغة ليملأها محور المقاومة بخطابٍ ناريٍ عن الثأر، بل يجب إبقاء الساحة تبرد على ثلاجات البحبوحة.
إنّ مجرد التفكير بسيناريوهات على شاكلة هذه النهاية، والحديث شديد الاستفزاز عن نهاية "نتن ياهو" السياسية، وكأن شعب غزة يُنحر من الوريد إلى الوريد لإنهاء حياة "نتن ياهو" السياسية، إنّ التفكير على هذه الشاكلة، يجعل من معجزة السابع من أكتوبر مجرد ذكرى، كأيقونةٍ نعلقها ونحدث بها أطفالنا قبل النوم.
إن لم تكن هذه فرصة لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، فهذا يعني أنّ التحرير ليس ممكناً في هذه اللحظة، ورغم أن زوال الكيان هو عين اليقين، لكن ليس الآن، لأن هناك من ارتأى أن الوقت غير مناسب، وأن امتلاك القدرة على ذلك لم تكتمل بعد.
إنّ جلال الدم الذي يُسفح في جنوب لبنان، هو وحده ما يجعل انتظار زوال الكيان محتملاً، رغم طوفان الدم في غزة، إنّ غزة جنوب فلسطين، وفي لبنان جنوبه، هذا التماثل ليس عبثاً جغرافياً، بل عبقرية الجغرافيا التي جعلت من كل جنوبٍ نقطة استقطابٍ لكل نصرٍ فيه مغناطيس كرامة.

أترك تعليقاً

التعليقات