أحمد عز الدين

أحمد عز الدين / لا ميديا -
إن أبعاد صورة الإمارات الراهنة في اليمن، بعد أن انخرطت في الحرب عليها، بدعوى دعم السعودية، ناطقة بالطبيعة الخاصة لدورها في الإقليم، شراءً للذمم، واستئجاراً للمرتزقة من الداخل والخارج، بمن في ذلك كتائب "القاعدة"، وألوية السلفيين، نشراً للفوضى وإيقاظاً للتناقضات، واقتطاعاً للمواقع الحاكمة في الجغرافيا الاستراتيجية، واستلاباً للثغور وبواطن الثروات، واستعباداً لأصحاب الأرض.
لقد أطلق بعض كبار ضباط البنتاجون على الإمارات وصفاً ذا دلالة تاريخية ووظيفية، فقد وصفوها بأنها "اسبرطة الصغيرة". ورغم أنها في الحقيقة صغيرة جداً، فهي ليست اسبرطة إلا في وجود "روما الكبيرة"، التي كان عليها أن تستهدفها بكل أشكال وألوان الحيل والمؤامرات؛ لكنها في البداية والنهاية لم تكن أكثر من حصان طروادة "الإسرائيلي".
إن أبعاد صورة الإمارات الراهنة في اليمن، بعد أن انخرطت في الحرب عليها، بدعوى دعم السعودية، ناطقة بالطبيعة الخاصة لدورها في كل مكان فوق خرائط الإقليم، شراءً للذمم، واستئجاراً للمرتزقة من الداخل والخارج، بمن في ذلك كتائب "القاعدة"، وألوية السلفيين، نشراً للفوضى وإيقاظاً للتناقضات، واقتطاعاً للمواقع الحاكمة في الجغرافيا الاستراتيجية، واستلاباً للثغور وبواطن الثروات، واستعباداً لأصحاب الأرض.
لقد أرسلت السعودية إلى اليمن كل أدوات ووسائل القتل والهدم والتخريب. وبالتأكيد كان لديها أطماع واسعة، في الثروات نفطاً وغازاً؛ ولكنها لم تنجح في أن تحصل إلا على عدد من الأشخاص صنعت منهم حكومة صبغتها بشرعية زائفة. وأرسلت الإمارات بدورها كل أدوات ووسائل القتل والهدم والتخريب؛ لكنها أخذت -وما تزال- كل ما طالته يدها وأيدي من استأجرتهم، من الأشجار النادرة إلى الشعب المرجانية، إلى بواطن مناطق البترول والغاز، إلى أغلب الثغور والموانئ والسواحل، في الجنوب والغرب، وتحولت بذاتها إلى استعمار استيطاني (في المقام الأول: عدن، المكلا، الشحر، حضرموت، النشيمة، ومحطة الغاز الطبيعي المسال في بلحاف؛ أما ميناء عدن فقد قامت بطمسه باعتباره البديل الطبيعي لموانئ "جبل علي")، في الوقت الذي دخل فيه الأمريكيون إلى مدينة غيل بوازير في حضرموت الساحل، ودخل البريطانيون إلى مطار الغيضة في محافظة المهرة، إضافة إلى جزيرة سقطرى التي سلمتها كقاعدة تجسس لـ"الإسرائيليين"، وجزيرة ميون التي شرعت الولايات المتحدة قبل فترة في بناء قاعدة عسكرية فيها، مساحتها 14 كيلومتراً مربعاً ولا تبعد عن الممر البحري الدولي سوى 20 كيلومتراً.
وعندما سلمت سقطرى لـ"إسرائيل" ونقلت مقدمة العسكريين "الإسرائيليين" ومعداتهم وأسلحتهم، بطائراتها، جاء الصوت المعترض الوحيد في "الشرق الأوسط الكبير" كله من جانب باكستان، فقد رأت في القاعدة "الإسرائيلية" تهديداً مباشراً للمنطقة الاقتصادية الباكستانية؛ رغم أنها تبعد عنها 200 ميل بحري باتجاه جنوب بحر العرب.
وفيما أحسب، فإن السعودية لم يعد لديها استعداد لتمويل مالي كبير للاستمرار في الحرب، فديونها نمت خلال سنوات الحرب من صفر إلى 250 مليار ريال، وفيما أعلم فإن طموحها العسكري مع التحول في موازين القوى، قياسا إلى القوة العسكرية الصلبة والمتنامية والمتطورة، والمشبعة بإرادة القتال في الشمال اليمني، قد انحدر إلى حد طلب حماية حدودها مع اليمن؛ لكن الإمارات التي سيطرت كتائبها من المرتزقة على الساحل الجنوبي، إلى جانب المدن التي تضم الموانئ والبنية التحتية البحرية، تدفع هذه الكتائب للسيطرة على الطرق الداخلية الاستراتيجية، خاصة بين المناطق الغنية بالطاقة، وإزاحة قوات "الإصلاح" التي تمثل الأذرع العسكرية للسعودية، وهو أمر يعكس مدى الخلاف الذي تبتلعه السعودية في صمت، كما يعكس تباين الدورين الاستراتيجيين لكلتا الدولتين.
إذا كان قد سبق الحديث عن المخاطر والتهديدات الخاصة بقناة السويس من جراء مجموعة المتغيرات العاصفة في باب المندب، ففي هذا الجانب من محاولة الإمارات السيطرة على مجموعة موانئ الحُديدة، عدن، والمخا، ما يعد تمهيداً لتغيير جيواستراتيجي كامل، ليس في اليمن، وإنما في عموم المنطقة كلها، فمن يضع يده عليها يسيطر تماماً على الخط التهامي بطول 500 كم، وهو أمر لا تبدو سيناء ذاتها بالعين المجردة خارج ما يمثله من تهديد يطول الجغرافيا الاستراتيجية بالكامل، ويضيف مزيداً من الاختلال في التوازن الاستراتيجي.
في كل الأحوال لم يكن قصدي أن أقدم رؤية للحرب على اليمن في وضعها الحالي، فهذا أمر آخر تماماً، وإنما أن أقدم تلخيصاً لطبيعة دور الإمارات، لا في اليمن، وإنما في عموم الإقليم، بوصفها شركة متعددة الجنسيات، في إهاب إمبريالية صغرى نمت على حواف برك الدم، وابتلعت أكثر من قدرتها على الهضم هناك، وهي مصرّة على ابتلاع أكثر من قدرتها على الهضم هنا.

أترك تعليقاً

التعليقات