اختلال في التوازن الاستراتيجي..!
 

أحمد عز الدين

أحمد عز الدين / لا ميديا -
لقد مثلت الحرب على اليمن قمة أخرى في الاندماج الوظيفي العسكري بين الإمـــارات والسعوديــة و"إسرائيل" وأمريكا، لإعادة تشكيل البيئة الاستراتيجية على محور البحر الأحمر-  المحيط الهندي، من أقصى شمال المحور إلى أقصى جنوبه، خاصة بعد تحويل مضيق تيران إلى ممر بحري دولي استجابة لضغوط أمريكية كانت السعودية هي واجهتها المباشرة.
كان نقل محور الدفاع عن الخليج، من المحيط الهندي إلى "إسرائيل"، يعبّر عملياً عن دمج فضاء الدفاع الخليجي في فضاء الدفاع "الإسرائيلي"، تتويجاً لمرحلة طويلة من التطبيع العسكري بين الجانبين، أو بتحديد أدق: الاندماج الوظيفي العسكري بينهما، وكان هدفه إعادة تشكيل البيئة الاستراتيجية في الإقليم، وبالدرجة الأولى حول مصر.
لهذا قد يبدو مدهشاً أن هذا التطبيع العسكري كان له السبق والريادة على كافة أشكال التطبيع سياسياً واقتصادياً، بل إنه يمثل المحطة الحقيقية النهائية لكافة أشكال التطبيع الأخرى.
إن الإشارة الأولى لدمج "إسرائيل" في معارك الإقليم قديمة ورمزية، وتزامنت مع حرب الخليج الأولى. ولم تكن هذه الرمزية ناطقة بأن القوات الأمريكية استخدمت قنابل "إسرائيلية" موجهة بالليزر (هاف تاب)؛ ولكن بأن جميع أفراد القوات الأمريكية ارتدوا أحذية كُتب عليها "صنع في إسرائيل". ثم كان إنشاء قاعدة السيدية في قطر يمثل إشارة ثانية، حيث تمركزت الوحدة الجوية الاستكشافية الأمريكية (379) بوظيفة مزدوجة، هي حماية دول الخليج وحماية "إسرائيل" في الوقت نفسه.
غير أن الانخراط في أول مناورة عسكرية جوية بين دولة خليجية وبين "إسرائيل" كانت مبكرة جداً، ومن نصيب السعودية، وقد تمت في أكبر قاعدة جوية في إسبانيا، وعلى طائرات من طراز (إف 15) تحديداً، واستبقت ثورة 25 كانون الثاني/ يناير في مصر بعدة شهور. لكن تأهيل قدرات سلاح الجو الإماراتي للانخراط في مناورات مع سلاح الجو "الإسرائيلي"، استدعى أن يتم ذلك في آذار/ مارس 2017، وفي إطار ما أطلق عليه "تدريبات العلم الأحمر"، وهو تدريب على القتال الجوي تشرف عليه الولايات المتحدة، ثم تكرر في نيسان/ أبريل 2019، إضافة إلى "تدريبات إنيوهوس" في اليونان مسبقاً ومؤخراً.
إذن، لقد كان التطبيع العسكري، لا السياسي، هو الأساس وهو الهدف. وإذا كان الأول قد حظي بالأولوية، فقد قاد مباشرة إلى إنضاج الثاني؛ فمع المرحلة الثانية في الاستراتيجية الأمريكية في الإقليم، والتي انتقلت من صيغة الحرب على الدول إلى صيغة الحرب داخل الدول باستخدام الإرهاب، خاصة في البداية ضد سورية، تأسس تنظيم تعاون عسكري بين دول الخليج (السعودية والإمارات وقطر تحديداً) و"إسرائيل" وتركيا والأردن، داخل غرف عمليات مشتركة بدءاً من عام 2011 وترسخ في عام 2012، وتوزعت غرف العمليات بين "قاعدة إنجرليك" بتركيا و"قاعدة "الحسين الجوية" في الأردن.
لقد تزامن مع ذلك، توقيع اتفاقيات ذات طبيعة عسكرية خالصة، إضافة إلى بروتوكولات لتدريب القوات، كاتفاقية تنظيم تعاون في الملاحة البحرية بالبحر الأحمر، التي وقعت بين السعودية و"إسرائيل" في عام 2014، وبروتوكولات التدريب التي تم بموجبها تدريب قوات من البحرية السعودية والبحرينية داخل منشآت البحرية "الإسرائيلية"... إلخ.
لقد مثلت الحرب على اليمن قمة أخرى في الاندماج الوظيفي العسكري بين الإمارات والسعودية و"إسرائيل" وأمريكا، لإعادة تشكيل البيئة الاستراتيجية على محور البحر الأحمر – المحيط الهندي، من أقصى شمال المحور إلى أقصى جنوبه، خاصة بعد تحويل مضيق تيران إلى ممر بحري دولي استجابة لضغوط أمريكية كانت السعودية هي واجهتها المباشرة.
ولم يكن محور البحر الأحمر – المحيط الهندي وحده هو الهدف، وإنما كافة امتداداته العرضية، في اليمن وفي القرن الأفريقي وصولاً إلى منابع النيل وإثيوبيا وشرق السودان.
لقد ترتب على ذلك إحداث أول تغيير تاريخي في الجغرافيا الاستراتيجية لمصر، فضلاً عن إحداث انقلاب كامل في البيئة الاستراتيجية المباشرة الخاصة بها فوق واحد من أهم وأخطر محاورها الاستراتيجية، إضافة إلى آثاره المباشرة على قناة السويس، باعتبار أن الاستيلاء على باب المندب، حيث تمت أول عملية خنق بحري استراتيجي من بُعد في التاريخ العسكري البحري، شمل الوحدات العسكرية "الإسرائيلية" والتجارية في وقت واحد خلال معارك أكتوبر المجيدة، يمثل تهديداً مباشراً لقناة السويس.
لذلك ليس بعيداً أن نجد أنفسنا في وضع أقرب إلى أن يكون مقلوب أكتوبر 1973، حيث تجري محاولة صناعة مفتاح وقفل بديلين في باب المندب، تملكه تاريخياً قناة السويس، باعتبارها المفتاح والقفل الوحيدين بين نصفي الكرة الأرضية الشرقي والغربي، ليكتمل تعطيل دور العاصمة الاستراتيجية، ويقفز الاختلال في الميزان الاستراتيجي إلى سقف لا يطال.

أترك تعليقاً

التعليقات