مهندس في قاع البون
 

عمر القاضي

عمر القاضي / لا ميديا -
مرة نزلت محافظة عمران أشتغل مهندسا في مدرسة بقاع البون، يعني نزلت أغطي بدل المهندس اللي هو من أبناء البلاد، لأنه كان دورة في نفس المحافظة. المهم جلس يحذرنا طوال الليلة السابقة عشان أنتبه حتى لا يزيدوا علي المقاول والعمال بالصبة، وينقصوا الأسمنت.
توكلنا أنا وهو ونزلنا عمران، وطول الطريق وهو ينبهنا ويحذرنا: انتبه العمال يبلفوك ويزيدوا عليك بالصبة! نمشي قليل، ورجع يحذرنا من جديد انتبه يزيدوا عليك بالصبة.. انتبه تغوي.. خليك مفتح عيونك سوا، اجلس جنبهم من الفجر.
وصلنا مدينة عمران والمهندس هذا، وقبل ما نفترق وهو يجزع له طريق وأنا أجزع لي طريق، أسمعه يدعيني ويلحقني عشان ينبهنا ويحذرنا كمان. وأنا أرد عليه بضبحة: خلاص تمام تمام فهمنا، أنتبه يزيدوا علي بالأسمنت.
وهو يقول لي: أيوه أنا راكن عليك! انتبه خليك مُركز وشحطة، أيوه.. وزاد أعطاني نظارة شمسية تدي الحول للعيون.. نعم علشان يصدقوا أننا مهندس عن جد.
المهم وصلت للمدرسة بقاع البون ورقدت، واليوم الثاني بكرت أقع مهندس شحطة واتروفل وأنا والله ما لي علم بالهندسة، عادنا كنت وقتها خريج ثانوية.. بكرت فجر أشرف على المقاول والعمال حقه.
أذكر كانوا يسكبوا بالدي نيسة وأنا أرغمهم يسكبوا بالدي أسمنت، والمقاول يزعق ويصيح ويقول ما يسبر كذا يا مهندس! وأنا أنخط فوقه أقول له: بتعلمنا شغلتي ودراستي في الخارج. وهو يقول: حسبي الله ونعم الوكيل. المهم كان يجي بيهدر ويعترض وأنا أرفض واسكته.
المهم زودنا الأسمنت دبل.. وخلطنا وصبينا المدرسة صبة تعديل فوق الصبة. ورقدنا لليوم الثاني. بكرت أبصر الصبة وهي كلها مشققة. نزلت لعند العمال أسألهم عن السبب، قالوا لي: هذا من زيادة الأسمنت وإلا ما درستها بالخارج يا مهندس! وأنا أقول: صحيح غريبة.
رجعت أتصل للمهندس صاحبي أحكي له عن التشقق.. أسمعه يلعنا لعن يا لطيف. قال لي: زيدت الأسمنت يا حمار..  الله يلعنك من مهندس. هيا أبصرتم.. هذا وهو يحذرنا وينبهنا طوال اليوم الأول وطول الطريق عشان ما يزيدوا علي.
رجعت قلت له: والحل؟ قال: خليهم يرجعوا يصبوها من جديد وانتبه تزيد الأسمنت.
من خلال هذه القصة ستعرف كيف كان يتم بناء وإنشاء البنية التحتية والمنشآت الحكومية بدون رقابة، معتمدين على كودار غير مؤهلين ومقاولين فاسدين ولصوص ليس لديهم ضمير ولا مبدأ. فقط أغلبهم يهمهم كيف يختلسون مبالغ طائلة عبر الفساد والاحتيال على المواصفات والكميات التي يتطلبها بناء المنشآت والمباني.

أترك تعليقاً

التعليقات