كلمة السر
 

عمر القاضي

عمر القاضي / لا ميديا -

سأتحدث عن برنامج لقناة فضائية جديدة افتتحت مؤخراً هنا بالعاصمة صنعاء.
هذه القناة معها عدَّة برامج سياسية واجتماعية و... إلخ. بعضها ما بها شي، وبعضها للأمانة مملة وفكرتها مكررة.
 القناة، التي لا أريد ذكر اسمها هنا، تبث برنامجاً سياسياً أسبوعياً. لكن هذا البرنامج ما فيش معه اسم محدد استقر عليه. يتم تغيير اسمه كل شهر. تتابعه أول مرة ويكون له اسم معين، ثم تتابعه بعد شهر تجده باسم آخر، والبرنامج نفس البرنامج والمذيع نفس المذيع، لكنه باسم آخر جديد. يتوقف فجأة ثم تعاود القناة بثه من جديد وباسم آخر جديد. ومن هذا الشغل. من كثر ما غيروا اسمه ذكروني بكلمة السر حق شبكة موقع "الاشتراكي نت". الكلمة التي كانت تتغير كل أسبوع. أسبوع يغيروها إلى "شالخوف" مع عددٍ من الأرقام. المهم تأتي الأسبوع الثاني تريد تؤنتر من نفس الشبكة إلا وقد غيروها إلى كلمة سر جديدة تدعى "كمبرادور" وعدد من الأرقام والشرطات والنقاط معها. تريد دخول النت عبر شبكة الاشتراكي عليك أن تكتب هذه الكلمة العويصة، والا أجلس أهدر لك ونظّر عن ستالينجراد وعن مؤامرة الإمبريالية على الاتحاد السوفييتي. تضبح من التنظير عن الإمبريالية والعمال والإقطاعية، تريد تدخل النت التابع للموقع عشان تتصفح. يطلع لك انه مقطوع من قبل البلاشفة الثوريين حق الموقع! تعاود الكرة والنضال في سبيل الاتصال بشبكة الموقع لكن الشبكة لا تزال تصر على أن تطلب منك إدخال كلمة السر! طيب يا خبرة، عادنا أدخلت قبل يومين كلمة "شالخوف" ككلمة سر جديدة!
للأسف كلمة "شالخوف" استبدلت من قبل البلاشفة اليمنيين والشبكة الآن ترفض الاتصال...
تلجأ إلى رفيق مُخزّن جوارك وتسأله عما إذا كانت معه كلمة السر أو لا. يبحلق عليك بعيونه لما يفجعك. ثم يقنعك هكذا: "مش وقت النت الآن يا رفيق، اسمع النقاش مهم". يطلب منك في الأول تسمعه وهو ينظِّر عن الإقطاعية بنت الكلب إلى أن ينتهي، عشان يعطيك كلمة السر الجديدة.
وطبعاً معروف لما ينظِّر رفيق حبوب عن الإقطاعية. أمانة ما يكمل إلا فجر، وقد طلعت روحك. 
هذا الرفيق بعد أن أكمل تنظيره عن الإقطاعية وبالتحديد في العاشرة مساءً (الحمد لله!) عاد يسألني مجدداً: مكانه النت عندك مقطوع؟
من العصر ينظِّر عن الإقطاعية والإقطاعيين، بالله عليكم كيف ما بينقطعش النت؟! ينقطع ونص. المهم بعد كل هذا التنظير والمصطلحات التي سردها الرفيق، والتي عكفنا على سماعها صميل، عشان يعطينا كلمة السر، اتضح بالأخير أنه كان راكن على أنها ما تزال كلمة السر السابقة "شالخوف". مش عارف انه معانا بلاشفة تابعين لـ"كيه جي بي" يستبدلون كلمة السر أسبوعياً باعتبار هذه الطريقة الوحيدة لمقارعة الإمبريالية الحقيرة!
أخذت هاتفي وقمت للغرفة المجاورة أدور عن كلمة السر من المسؤول عن الشبكة. طبعاً وافق على ذلك. لكنه طلب مني أن أنتظره شوية لأنه مشغول بمراجعة بيان تضامني أصدره الحزب. لا أذكر بالضبط مع أي مكون سياسي آخر تضامن الحزب.  
انتظرت مسؤول شبكة الموقع حتى انتهى من مراجعته للبيان التضامني. وبعد ذلك استمر يتقاعس. سألته: ايش في يا رفيق؟! اعطنا كلمة السر والا روحت! قال إنه حافظ الأرقام الأخيرة فقط. أما الكلمة الأولى اذهب لعند زعطان يديها لك. طيب ايش هي؟! ليش عادنا أذهب لعند زعطان؟! قال: ما فيش معي أمر أعطيك كلمة السر كلها. يريد أمر عشان يعطينا كلمة سر يسارية جديدة كي أدخل  النت لأتصفح!
ذهبت لعند زعطان الذي دلني عليه. بالأخير الرفيق زعطان أعطانا كلمة السر الجديدة كاملة، وهي "بروليتاريا". يعني يحتاج لك نصف ساعة لتدخل هذه الكلمة الطويلة "بروليتاريا".
وبعد أن حاولت أدخلها عدة مرات وشبكة الموقع مكانها ترفض الاتصال، وتطلب مني إدخال كلمة السر. وهذا من حقها.
بالله عليك يا عمر تكتب كلمة "بروليتاريا" ككلمة سر، وتريد من جوجل والنت يقبلها بسهولة، إذا كان تطبيق جوجل وكل التطبيقات الأخرى هي أحد اختراعات الإمبريالية الحقيرة التي جلسنا نندع أبوها من الظهر حتى العاشرة مساءً مازالت هذه التطبيقات ترتعب من المصطلحات اليسارية؟!
والآن جميعنا المنظرين بالموقع نريد ندخل العالم الافتراضي وبكلمة سر يسارية طويلة أيضاً، نكون قد حصلنا عليها بصعوبة وكأنها تأشيرة من إحدى السفارات الصارمة أمنياً! مصطلحات يسارية أيديولوجية كهذه كان لها صداها وتاريخها وعظمتها وقد أقلقت الرأسمالية لسنوات. تكتبها في جوجل يجلس يلوي ساعة من رعبه منها. أما أنها تستخدم ككلمة سر لشبكة موقع إلكتروني الصدق ما قد حصلت! أنا أشتي أدخل الشبكة أتصفح، مش أدخل مقر الأمانة العامة في موسكو. لا ألوم المصطلحات اليسارية هنا، بقدر لومي للإنترنت الزفت حقنا بشكل عام. الانترنت الذي ينقطع مع مرور أي طائرة أو أي عصفور في الجو، أو مع مرور أي دراجة نارية في الشارع. النت اليمني المعلق دوماً. إذا ولعت حبة سيجارة مهربة النت ينقطع. تحرف الهاتف شوية تجاه المحويت الشبكة تفصل... المهم آخر الليل تمكنتُ من دخول النت عبر شبكة "الاشتراكي نت" بعد جهد كبير. ما إن دخلت النت، طفى ماطور الموقع وغادرنا جميعاً.

أترك تعليقاً

التعليقات