حرب بالحركة البطيئة
 

عمر القاضي

يسألك شخص من صباح الصبح: أيش الأخبار؟ هذا بعقله وإلا أيش يدور، ليش شاهدنا كنت راقد في وكالة (رويترز) العالمية وإلا في قناة (الميادين). حرام عليك عادنا صحيت وخرجت من داخل بيتي. تخيلوا أن يصابحك واحد بهذا السؤال وبشكل يومي يسألك نفس السؤال، يحسسنا أننا كنا أنا وهو نعمل في الجبهة الوطنية في مهمات سرية في الشمال. وأصبح معلقاً حتى اللحظة يردد هذه العبارة (أيش الأخبار؟)، باعتبارها كانت كلمة سر بيننا لنستمر في نفس المهمة.
طوال الأسبوع الأول من معرفتي له في الحي، كنت أرد عليه برزمة من الأخبار كلما أصادفه في الحارة. لقد ودفت ولم أعد قادراً على الاستمرار في الرد عليه يومياً. وأيضاً كرهت الأخبار المحلية والدولية تماماً. ولم أعد قادراً على سماع إضافته المعصودة هذه، التي يسردها بعد أن يسمع مني أخباراً (بائتة) لها أكثر من أسبوع. كما أني عجزت أن أستوعب إضافته ولو مرة واحدة. ولا أعرف هل هو معجب بالأخبار البائتة التي ضخختها له من صباح الصبح، أو هل هو سمع الأخبار. المهم أني لا أفهم من إضافته المعصودة إلا بعض الكلمات كأسماء الدول زي بريطانيا ومصر، وبقية إضافته حشو.. حاولت ذات يوم أن أبعده عن طريقي، وأقطع هذا الولف المقيت، بعد أن كان قد سألني سؤاله المخيف: أيش الأخبار؟ رددت عليه: نسيت ما عطفت البطانية حقي.. ضحك ورجع هو يسرد لي أخباراً خيالية بنكهة الرعب. قال إن السعودية عادها ما حاربتش اليمن، وما تفعله مناورة وبروفة تكتيكية، من أجل المعركة الحقيقية الحاسمة.. تقول يا أخي متأكد أنها مناورة وبروفة. ليش هي تمنتج فيلم هندي باليمن بالحركة السريعة، على أساس أن الحرب الحقيقية ستكون بالحركة البطيئة.. انتقل ليهددني بأن المملكة معها (زلط) بما يغطي ميدان السبعين. من شدة إيمانه بهذا الخبر تقول شكله كان طول الليل (ينفل) الزلط ويرصها في السبعين. هكذا يشغل اليمنيون أنفسهم بالحديث عن زلط المملكة (أبو شيبة). طيب يا أخي أنت بلا راتب، اذهب اشقي بدل ما تسرد خيالات بالحركة البطيئة. رد عليَّ أن الشرعية بتصرف الرواتب كلها ومع الحوافز. طيب والزلط اللي بالسبعين، بتبقى سيولة وإلا كيف؟
كم هو متعب عندما يصبح المواطن البسيط مرتزقاً بالخيال، مصدقاً القصص الكرتونية  لـ(جرانديزر) حق زمان، ومكذباً الغارات والحصار وجرائم التحالف التي مازال يعتبرها بروفة وتجربة.
وما إن تتجاوز صاحب السؤال الأول إلا ويواجهك شخص آخر يبعد عن الأول أمتاراً قليلة، والفارق بينهما أن الأول يسأل من أجل أن تهيئ له الجو ليخرج ما بداخله من ضجة وخيال وكلمات متقاطعة يكملها بحبات الرذاذ المتطاير الى وجهك. يعتقد أنك بحاجة للهدرة حقه التي يبدأ بها من السعودية وينتهي بالأخير عند التتار والمغول. أما الشخص الثاني فيختلف عن الأول في أنه يباغتنا فجأة بنقاشاته المباشرة عن الحدود بدون سؤال، عكس صاحبنا الأول. كما لو أنه متخصص حدود وجغرافيا وعلم خرائط، اللي ما يعرفه يقول عنه بأنه متلهف للانتصارات ووطني كذاك.. بالعكس.. طبعاً.. لقد عرفتُ هذا الشخص جيداً في الأيام السابقة، فهو يناقشك من أجل معرفة وقياس توجهك كل يوم، مرة يفرزك أنك حوثي، ومرة يقول إننا مافهمش بالسياسة، ومرة يمنحنا رتبة عميق وخبير في الحارة.
لقد ناقشته عن القرى الواقعة ما بعد الحدود، كان يهز رأسه كما لو أنه استوعب التقدمات والانتصار، ليشير بيديه على الفراغ باعتباره أنه يعرف جميع الجبال والقرى الكائنة ما بعد الشريط الحدودي جيداً. وهو أصلاً يرفض أن تستعيد اللجان والجيش نجران وعسير وجيزان المحتلة إلى أصلها الجغرافي التاريخي. كل ما يريد قوله أن المعارك والانتصارات هذه ليست في الحدود، بل هي في البقع وحرض و(جوجل). منذ البداية أعرف أنه لايهمه حدود ولا وسط ولا أطراف ولا شيء.
كل ما في الأمر أنه يريد ولاعة مني يلصي سيجارته نوع (مودرن) مهربة، يلصيها في الصباح وتجلس والعة بعد أن يقذف بها على الأرض لمدة ساعة ماتكملش، تشبه عود (الند) الذي كانت تشعله أمي لمكافحة (النامس).

أترك تعليقاً

التعليقات