القاتل المحمول
 

يسرية الشرقي

يسرية الشرقي / لا ميديا -
قبل عشرات السنين، كانت البشرية في رحلة بحث عن السعادة والرخاء وسلاسة اللقاء. وما كان البارحة ممكنا أصبح اليوم جزءاً من تفاصيل الحياة. وحين حلم العلماء باختراع المستحيل ليقرب البعيد ويختصر المسافات لم يكونوا على علم ودراية بأنهم يحضرون لأكبر قاتل محمول نحمله بيد واحدة، ويحمل بين طياته وبرامجه أسرار حياتنا وأسباب تعاستنا وسعادتنا الرقمية الوهمية، وهذا كله قد ينتهي بضغطة زر فقط.
حين ألتفت حولي، أرى ذلك القاتل في أيدي الجميع، وقد قتل وهج الحياة الاجتماعية. الهاتف المحمول، ما سميته أنا «القاتل المحمول»، أصبح اليوم أكثر شراسة في قتل كل التفاصيل الجميلة لحياتنا الاجتماعية والإنسانية. وفي حين أن له حسنات يصعب نكرانها، ولأنه حقاً قرَّب البعيد وليَّن الشديد، أعطيناه قدراً وقيمة تفوق ما أعطانا إياه من مزايا، وأصبح في كل يوم أكثر شراسة وقوة على تشويه الطقوس العائلية والاجتماعية التي كانت تعني الكثير والكثير، كانت تعني لنا معنى الحياة، واليوم ها نحن نبدل تلك المشاعر الدافئة بعبارات جافة وباردة خالية من كل المشاعر.
 فبدلاً من تبادل الزيارات والتقاء الأصدقاء وتبادل الزيارات والسلام في يوم الجمعة، استغنى الكثيرون عن اجتماع الأهل في بيت العائلة، فصار اجتماعهم على مجموعات «الواتسآب» أو حتى على مجموعات الـ»فيسبوك» صار اجتماعاً مطرزاً بالكلمات المنمقة، دون أدنى مشاعر أسرية حقيقية.
وحين ترضى عنهم الحياة ويحظون بلقاء واقعي في عالمهم الحقيقي بعيداً عن تزييف وسائل التواصل الاجتماعي، تجدهم جميعاً يحدقون بذلك القاتل المجهول ويتبادلون من خلاله النكات مع أشخاص آخرين خارج إطارهم الواقعي، ليقتل بذلك ما تبقى من محاولات لم شتات العائلة على يد ذلك القاتل الذكي المحترف.

أترك تعليقاً

التعليقات