معركة الأقفاص الذهبية (2)
 

يسرية الشرقي

يسرية الشرقي / لا ميديا -

شارد الذهن غادر عريسنا المحارب منزل حميه العزيز، تتصارع الأفكار وتتزاحم الأمنيات بداخله.. فقد انتهت أخيراً المعركة الأولى، لكنها بكل تأكيد ليست الأخيرة، فالآن فقط بدأ الجد وصار وقت الاجتهاد.. وأصبح من الضروري أن يبدو كما يريد منه أهله والمجتمع، رجلاً بمقاييس واعتبارات عديدة تراعي كل شيء عدا مشاعره وثقل الهم عليه.
لم ينطق حرفاً واحداً طوال طريق العودة، كان يفكر بمعركته القادمة وتوفير متطلبات الزواج المنشود وغيرها من التفاصيل التي كانت تدور في رأسه.. لم ينم تلك الليلة واستقبل نهاره الجديد بالذهاب إلى عمله المتواضع مستقبلاً سيل التهاني من الأحبة والأصدقاء.
ها قد بدأ الآن بوضع التحليلات المالية، وصار يقلب أفكاره مرة أخرى ذات اليمين وذات الشمال، وفي كل مرة تحتار أفكاره قبل جيبه، كيف ومن أين سيأتي بالمال لتصل إليه العروس المنتظرة؟! ها قد هداه تفكيره أخيراً إلى أن يبيع سيارته التي كان قد اشتراها منذ سنوات لتقيه حر الشمس وبرد الشتاء، وأن يأخذ كل مدخراته، فلربما يستكمل المبلغ المطلوب.. وبعد طول تفكير قرر أن ذلك عين الصواب، فلن يخرج بسواد الوجه بين الرجال، ولا بد أن يكون قدر القرار تمت البيعة بنجاح وصار المبلغ أخيراً في يده.. الحمد لله.. يحدث نفسه «ستعوضني الأيام خيراً منها، والمهم الآن أم العيال».. وبكل قوة وثبات ذهب بعد أيام ليزور بيت الأنساب ومستقر الأحباب ليدفع المال المطلوب ويملأ قلبه الاطمئنان بأنه سيفي بكلمته بين الرجال.. مليونا ريال هي ثمرة جهد سنوات من العناء والتعب، لكن هنيئاً عليها، فنحن بعد هذا اليوم سنصير واحداً.
مرت الأيام ببطء متسارع ليتم عقد القران ويذاع الفرح والسرور في كل مكان ويحدد اليوم الموعود.. ليعقبه مواعيد كثيرة مع النجارين والمصممين لتجهيز قفصهما الجديد وبما يليق بأميرة الدار القادمة.
يبدأ أولاً مع معركة البحث عن بيت، وهي معركة حامية الوطيس ما بين طمع أصحاب العقارات وازدحام خانق صار روتينيا في مدينتنا الجميلة.. «ضاق صدري بالتزامات وواجبات ليست من الواجبات إلا أن مجتمعنا صار يحاصرني كما يحاصر الماء جزر المالديف وهذا ما لا مفر منه» هكذا صار يحدث نفسه.
وجد البيت أخيراً وبعد طول انتظار.. لكن الأمر لم ينته هنا، فقد طلب منه المؤجر أن يضع «مقدم إيجار» ليستنزف آخر مدخراته في عشهما الصغير.. أرهقه الذهاب والإياب إلى أسواق الأثاث، حتى إنه لم يجد مطلبه، فالأسعار صارت ضربا من الخيال، ليس أمامه من حل سوى الاقتراض مجددا، ولكن هذه المرة من أصحاب العمل لعله ينهي ما بدأه.. ليجد نفسه غارقا في بحر من الديون.. ولكن بعد كل هذا العناء صار البيت مملكة صغيرة وكما يقال «على قدر فراشك مد رجليك».
ولكن هل انتهى المشوار هنا؟! بالتأكيد لا، مايزال هناك العرس والحفل والمعازيم، فنحن شعب الوجاهة والواجب، لذا فقد قرر العريس أن يعمل عرساً «حنان طنان»، فهو ابن الكرم ومن أهل الواجب، ولن يترك مجالاً لمن يعاتبه أو يلومه على عدم إقامة عرس.. أقيمت الاحتفالات، ومع كل خطوة كان ينفق المزيد من المال وتتراكم الديون عليه.
«هل حان الوقت أن يعي المجتمع ما يعانيه هذا الجيل حين يقرر إكمال نصف دينه وبدء حياته؟ أما آن للمجتمع أن يتخلى عن بعض العادات التي لم يبق منها سوى الحمل الثقيل؟».. هكذا كان يحدث نفسه مراراً وتكراراً، ولكن فرحة قدوم شريكة العمر أنسته الدين والهم.. ومن اليوم لم يعد لوحده في معركة القفص الذهبي.

أترك تعليقاً

التعليقات