أمة اقرأ لا تقرأ!
 

يسرية الشرقي

يسرية الشرقي / لا ميديا -
هذا ما يجول في خاطري كلما مررت ببائع الكتب الذي في حينا الصغير، أقترب منه لأبحث عن كتاب جديد، وفي بعض الأحيان بدافع الفضول فقط فيقول: يا أستاذة ما حد بيقرأ هذه الأيام.
يغمرني شعور بالغربة، وأتساءل: لماذا تباعدت خطواتنا عن المكتبات والكتب، وأصبحنا نبحث ونسعى خلف الملخصات السريعة والفيديوهات القصيرة.. ابتعدنا عن القراءة وأصبح القارئ في هذا الزمان مدعاة للسخرية، وكما يُقال في بعض المجالس "هيا جا الفيلسوف القارئ"، وكأنها وصمة عار.
نسينا أنه كان يفسح في المجالس للكتاب والدارسين، كانوا عملة نادرة، ومن كانت تتاح له فرصة تعلم القراءة يٌعد من صفوة القوم.. كانت نعمة بعيدة المنال، وأقمنا حروباً لأجلها، هاجرنا إلى بقاع الأرض لتعلم القراءة ونيل العلم حتى أصبحنا رواده في زمن مضى...
وحين أصبحت هذه العملة النادرة بين أيدينا رمينا بها عرض الحائط، ليس هذا فحسب، بل صرنا نهزأ بمن يطالع الكتب ويريد نشر الثقافة من جديد.
لم يعد مشهد الكتب مألوفا لا في الطرقات ولا في أماكن الانتظار، كيف لنا أن ننهض من جديد وعيوننا معلقة بشاشات رقمية وصفحات وصداقات وهمية لا تضيف إلينا ولا إلى مخزوننا الفكري شيئا.. أوراق الكتب تمنح العقل فرصة وفسحة خاصة ليتأمل وليتباطأ قليلا هرباً من دوامة الحياة المتسارعة.
صحيح أنني وبشكل شخصي أتحيز للقراءة في الكتب الورقية، ولكن لا ضير في القراءة عبر المنصات التي تقدم كتب الأدب والتاريخ والعلوم التطبيقية والعلوم الحديثة ومجالات التكنولوجيا والطب حين تكون هي المصدر الوحيد والمتاح.. فالأمم لا تنهض إلا بالعلم، وطريقنا الوحيد بالقراءة والمطالعة.
إن ابتعادنا عن القراءة تسبب في اتساع الفجوة بيننا وبين ما كان يمنحنا عمقا إنسانيا ومعنى للحياة وسلطة على أنفسنا، فأصبحنا لعبة بأيدي من تقدم في العلم.
إن الابتعاد عن المكتبات والكتب، خصوصا الورقية، ليس مجرد تغيير في عادة القراءة، لكنه تسبب في خلق شرخ ثقافي كبير.. لقد تسبب في تعطيل عقل الإنسان ولغته وخياله، فصارت الشاشات وومضاتها رفيقا للإنسان.. صحيح أن الوصول للمعلومة أصبح أسرع وأسهل، ولكن فهمها أبطأ.
نحن حقا بحاجة إلى تغيير عاداتنا عبر استغلال كل المصادر وإعادة بناء أفكارنا وعقولنا من جديد.. لم لا نعيد أمجادنا التي نتفاخر بها.. لم لا نبدأ من جديد.. لم لا نكسر الجليد بيننا وبين ما كنا عليه على مدار التاريخ؟! ما الذي ينقصنا لدخول السباق العلمي العالمي؟! لا ينقصنا سوى أن نصحو من سباتنا الجماعي، ونرفع أعيننا قليلا لنرى أين أصبحنا بعد أن كنا سباقين في العلم والخير.

أترك تعليقاً

التعليقات