أبغض الحلال
 

يسرية الشرقي

يسرية الشرقي / لا ميديا -
أبغض الحلال لم يعد بغيضاً. في السنوات الأخيرة أصبح الزواج قراراً سهلاً، بعد أن كان قراراً مصيرياً يحتاج إلى تأمل طويل واستعداد قوي. أصبح الزواج خطوة سريعة يتخذها الكثيرون تحت تأثير العاطفة أو ضغط المجتمع أو الرغبة في إثبات الذات. أصبح الهدف الأكبر من الزواج علاقة تبدأ بزفاف يحكي عنه القاصي والداني، وصور تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، ونسي الكثيرون أن الهدف الأكبر هو بناء حياة كاملة بعد أن تنتهي الأضواء وينتهي بريق جمال البدايات. هنا يكمن التحدي الحقيقي في التمسك بالمواثيق والعهود  وتكرار المحاولات لإنجاح الزواج. ولكن حين نمعن النظر من حولنل نجد انتشاراً واسعاً وغير مسبوق لحالات الطلاق. ما أشعرني بالغرابة هو سرعة حالات الطلاق، والذي يحدث بعد أقل من شهر أو شهرين من الزواج، وكأن شيئاً لم يكن. فالطلاق لم يعد حدثاً نادراً أو استثنائياً كما كان في الماضي، فقد ارتفعت نسبه بشكل كبير وملحوظ في الكثير من الدول العربية، وحتى في اليمن. هذا الارتفاع غير المسبوق يدفعنا للبحث عن أسباب الطلاق وتبعاته الاجتماعية والإنسانية على الأفراد والمجتمع بشكل عام، ولماذا أصبح الانفصال قراراً سهلاً وسريعاً. وجدتُ أن التراكمات تتشكل بصمت بين الطرفين. وتشير أغلب الدراسات أن الأسباب التي تقود للطلاق لا تحدث فجأة، بل إنها تنمو تدريجياً حتى يشعر كلا الطرفين وكأنهما بمفردهما داخل العلاقة. ومن أهم الأسباب التي تؤدي لهذه التراكمات هو الزواج المتسرع؛ فالكثير من العلاقات تبنى على اندفاع المشاعر فقط، دون إدراك أو وعي لقيم الإنسان أو قدرته على تحمل المسؤوليات الحياتية، وبعد الزواج ينكشف الغطاء عن كل هذا وأكثر، فيصبح العيش مع القيم المختلفة وغير السوية أمراً مستحيلاً. أضف إلى ذلك ضغوطات الحياة والبطالة وصعوبة توفير الاحتياجات الأساسية في ظل ظروف حياتية صعبة وشباب وشابات لا يعون صعوبة الأوضاع. ويأتي فوق كل هذا التدخلات الخارجية من بعض الأهل أو كلهم، فيحول الخلاف الصغير إلى مشكلة عائلية وقبلية لا يمكن إنهاؤها إلا بالانفصال.
تتحدث الدراسات أن سوء التواصل بين الزوجين يعد من أهم الأسباب وأكبر المشكلات التي تؤدي إلى خلق فجوة حقيقية بين الزوجين، خصوصاً في ظل توقعات كبيرة ومثالية قبل الزواج تحتاج إلى إيضاح وتواصل قوي بين الطرفين، حتى لا يقع أبغض الحلال، والذي لا يمكن نكران أنه يعد حقاً مشروعاً كفله الدين والعرف للطرفين؛ ولكن قبل أن يقع الطلاق يجب أن يفكر الطرفان بالتبعات التي تلي مثل هذا القرار الكبير، فالطلاق لا يخص الزوجين فقط، بل إن له تبعات اجتماعية وأسرية كثيرة، كتفكك الروابط الأسرية والتأثير على الأطفال إن وجدوا وهم الضحية الأكبر لمثل هذه القرارات. ولكن هذا لا يعني أن الطلاق كارثة في جميع الحالات، فهنالك حالات يجب فيها الطلاق، فحكمة الله أوجدت هذا الحل لأنه يعلم كل العلم أن بعض الناس لا يمكن العيش معه. ولكن ما أتمناه أن يتم اتخاذ مثل هذه القرارات بكل تروٍّ،  وبعد محاولات حقيقية للإصلاح، حتى لا يندم الإنسان على ما كان، ولا يتشرد الأطفال وتنتهي أسمى العلاقات في الحياة لأسباب بسيطة كان يمكن حلها بـ»حكم من أهله وحكم من أهلها».

أترك تعليقاً

التعليقات