إبراهيم عطف الله

إبراهيم عطف الله / لا ميديا -

أولاً يمكننا التعبير عن سبتمبر وبكل فخر واعتزاز لما حققه اليمانيون فيه من انتصار عظيم على مؤامرات عالمية، فشكراً وإجلالاً لسبتمبر صانع القرار، بعد الشكر والتقدير للأحرار الذين قاموا بهذا الإنجاز، سواءً في ثورة 26 سبتمبر 1962، أو ثورة 21 أيلول/ سبتمبر 2014، وشكراً لله الجبار.
بالتأكيد أن كل الثورات تشابه بعضها، لكنها تختلف عند الخواتيم، إما خاتمة إيجابية حسنة وإما خاتمة سلبية سيئة، فيُوفق فيها الأحرار والشرفاء ويفشل ويجبن فيها المرتهنون والعملاء. ولكن ثورة 21 سبتمبر 2014 تختلف عن كل الثورات ماضياً وحاضراً، فتبقى علامة فارقة في سجل الثورات، ومصباحاً منيراً في تاريخ اليمن مدى التاريخ، بما شهدتهُ من معجزات ومنجزات عظيمة، فهذا هو الشيء الوحيد الذي يميزها عن بقية ثورات العالم، التي انتهى بها المطاف إلى الارتهان والارتزاق.
ومثلما كانت ثورة سبتمبر 1962، كانت ثورة سبتمبر 2014، الأهداف والأسباب ذاتها، حتى شواهد ما قبل الانطلاق، فكلتا الثورتين كانت ضرورة حتمية للتحرر من التبعية والارتهان والظلم والاستبداد المتمثل بالنظام السياسي والدستوري. فثورة سبتمبر 2014، جاءت متممة لثورة سبتمبر 1962، ولتعزز مبادئها وأهدافها التحررية ضد العداء المتسلسل حتى هذه اللحظة على أبناء هذا البلد. فالثورتان مجتمعتان لنضال شعب يمني مؤمن بالعدالة، طَموح للحرية وبناء دولة حديثة عادلة ذات سيادة وقانون، وبناء جيل التضحية في سبيل الثورتين ومبادئهما التي تؤهله لرفض الهيمنة والارتهان والوقوف في وجه العدوان.

شواهد ما قبل وبعد انطلاق الثورة
واجه اليمن حروباً عدة، منها حروب بالوكالة لقوى دولية، فكان يتحالف الوكيل الإقليمي مع صاحب القوة الدولية لهدف واحد ضد اليمن. ومن هذه الوكالات والقوى ما تبخرت، ومنها مازالت حتى اللحظة تخطط وتتآمر لقتل وتدمير اليمن خارجياً بعد أن فشلت في تدميره داخلياً عبر أدواتها.
بعد أن شهدت العلاقات المتوكلية والسعودية استقراراً مشؤوماً، شبيهاً باستراحة محارب، عملت السعودية على تهيئة البيئة المناسبة لتنفيذ سياساتها التمزيقية لليمن، ولتكون ضربتها القاضية على الجغرافيا اليمنية بالتمدد والاستيطان، عبر الأزمات المفتعلة والصراعات الداخلية، فقد انطلقت ثورة سبتمبر 1962 ضد النظام المتوكلي، شكلت صدمة مفاجئة للنظام السعودي بسقوط الملكية وقيام الجمهورية.
ومثلما فر أولاد الأحمر وهادي وحثالته نحو الخارج كعملاء ضد بلدهم وشعبهم عقب قيام ثورة سبتمبر 2014، كان قد فر الإمام محمد البدر والحسن، وغيرهما من أفراد العائلة المالكة إلى السعودية كعملاء ضد بلدهم عقب قيام ثورة سبتمبر 1962.
وكما خُيل للنظام السعودي اليوم السيطرة على اليمن جغرافياً وسياسياً واقتصاديا، عبر سعيه لإعادة «شرعية الفنادق» لتولي زمام الحكم اليمني، كأداة لتمزيق اليمن، كان النظام السعودي آنذاك يرى ويتخيل في استعادة الملكية، وإعادة البدر وأتباعه إلى العرش اليمني، جداراً يقيه من الأخطار، ويحافظ على نفوذه واستمراره بالتمدد في جغرافيا اليمن.
وعندما فشلت السعودية في اختراق النظام الجمهوري، بعد تولي الرئيس الحمدي رئاسة البلاد، لجأت إلى استخدام أيادي الغدر والخيانة من الداخل لاغتيال الرئيس الحمدي، في 11 أكتوبر 1977، الرئيس الذي حاول تحرير اليمن من الظلم والاستبداد، والنهوض به نحو الأفضل. كذلك في واقعنا اليوم بعد فشل العدوان السعودي الأمريكي في دحض الثورة واختراق الدولة اليمنية والسيطرة على جغرافيتها والتغلغل فيها، قامت السعودية وعبر أيادي الغدر والخيانة بالداخل واغتيال الرئيس صالح الصماد عليه السلام، رجل بحجم وطن، وصاحب مشروع «يدٌ تبني ويدٌ تحمي» لإخراج الشعب من التبعية والوصاية الخارجية، والذي شهدت لحكمته وحنكته كل الميادين والساحات وكل جبهات الصراع مع قوى العدوان على اليمن.
بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 بعشر سنوات، اعترفت السعودية بالجمهورية، بعد أن ضمنت أنها ستصبح دمية في يدها، فاستمرت السعودية في تدجين المجتمع وتقديم نفسها كنموذج حسن لليمنيين، وتغلغلت في جوامعهم ومجتمعهم، وتلغيم النظام الجمهوري بالفكر الوهابي والداعشي، حتى أصبح النظام الجمهوري العفاشي في اليمن أحب وأرغب إليها من الملكية التي كافحت من أجل إعادتها لسنوات.
كذلك عند تحقيق الوحدة اليمنية، لحقهم الفشل مرة أخرى. حينها سلكت السعودية طريقاً آخر، وهو تدمير الوحدة من الداخل، فتعثرت الوحدة في بضع سنوات من تحقيقها، وتحولت إلى كابوس وعبء، حتى فكر البعض ألا خيار سوى الانفصال.
وبعدها أتت ثورة الشباب في 11 فبراير 2011، ومع أحداث جمعة الكرامة بصنعاء وغيرها، استغلت السعودية الوضع الحرج عبر وكلائها للسيطرة على الساحة بذريعة الحماية، وفجأة تحولت الثورة إلى أزمة وخلافات حادة تعصف بشركاء عفاش ووكلاء السلطة من حلفاء الخارج. وهنا أتى فشل آخر للسعودية بفشل ثورة الشباب 2011، وبفشل عناصرها المرتهنة. حينها سعت مملكة الشر إلى احتوائها مجدداً، لكن بالمقابل مكّنت هذه الثورة الشبابية القوة الفتية المجاهدة «أنصار الله»، فكانت صوت التغيير لتلك الأدوات المرتهنة، من باعوا الشعب آنذاك وباعوه مجددا في 26 مارس 2015، من أرادوا بثورتهم إهلاك الشعب واستضعافه وارتهانه ونهب ثرواته وممتلكاته.
حينها برزت «المبادرة الخليجية» في نهاية 2011، التي جمدت الدستور اليمني، وعطلت كل الأنظمة والقوانين، وبموجبها مُنح «عفاش» حصانة مطلقة، والفار هادي نائباً لهُ كمرشح رئاسي وحيد، وبهذا نجحت السعودية بتمرير هدفها من المبادرة. وبعدها بفترة وجيزة جمعت السعودية مشعوذيها لمساعدتها في الطلسمة على عقول الشعب، لتنفيذ مشروع التقسيم والأقلمة، بذريعة حل «الأزمة»، وفي هذه الحالة سيجد بنو سعود أنفسهم بين أقاليم وولايات هزيلة من السهل الانقضاض عليها.
وفي إطار تهيئة المناخ المناسب لتمرير مخطط التمزيق والتشرذم، تعاملوا بجُرع وتهويل وإرجاف لإشغال الشعب وإلهائه بهمومه واحتياجاته الأساسية وتجريده من قضاياه الرئيسية بالتفكير حول قوته اليومي فقط لا غير، وبهذا أنهكوا الشعب واستضعفوه تمهيداً ليقبل بمشروع الأقلمة.
وفي السياق نفسه، خرج العملاء ووكلاء الخارج من حكومة هادي وباسندوة وبحاح وغيرهم من الأدوات، مهللين للمادة السادسة من الدستور الجمهوري المقترح، عن «حق الشعب في تقرير مصيره»، أي بمعنى حق الشعب في تقرير مصيره بالوحدة أو الانفصال، أو الانضمام لأي جغرافيا خارجية، وبموجب هذه المادة الخبيثة منحوا الشعب حق الانفصال والتمزق بعد التجويع والأزمات.
وبعد استلام هادي للسلطة وتشكيل حكومة المحاصصة بين المشترك والمؤتمر، وقد كان هادي السبب الأول في إفشال مخرجات الحوار، بتشكيل لجنة وفقاً لرغبات الخارج، حينها رفضت معظم القوى هذا القرار، واستمر أنصار الله في اعتصامهم بساحة التغيير منذ فبراير 2012.
وبعد أن فوجئ الجميع بمحاولة هادي الشريرة لتقسيم اليمن وأقلمته، مباشرةً استقالت حكومة باسندوة، ومن بعدها تم توقيع اتفاق «السلم والشراكة»، وتشكيل حكومة بحاح لإدارة الدولة، على أساس الاستمرارية في حل القضايا السياسية. وحين أوشك المتحاورون على التوصل إلى اتفاق «السلم والشراكة»، اتفاق وطني شامل برعاية مبعوث الأمم المتحدة حينها جمال بن عمر، أدركت السعودية وأدواتها أن مشاريعها ستفشل بنجاح هذا الاتفاق، فبادرت لافتعال الأزمات بغرض تعطيل الحوار والاتفاق، الذي أوشك على النجاح. حينها حذت حكومة بحاح حذو حكومة باسندوة، وكذلك هادي قدم استقالته بعد ساعات فقط من استقالة بحاح، كمؤامرة لإرباك الشعب سياسياً ولإيجاد واقع فوضوي ضعيف ينهي اتفاق «السلم والشراكة».
ومع شد المنافقين رحالهم إلى الخارج كعملاء بعد انهزامهم، أبرزت مملكة الشر عناوينها الخادعة والزائفة كـ»إعادة الشرعية» ومواجهة «الروافض» و»المجوس» وما إلى ذلك، للدخول في حرب مباشرة مع اليمن.
سعى الخارج وبكل جهد لتجزئة اليمن وتحويله ضمن الوضع الكارثي، ومصادرة قراره السياسي. وبعد أن ساءت الأوضاع، واستشرى الفساد، وكادت اليمن أن تكون إمارة لبني سعود يتحكمون فيها كيفما يريدون، حينها صدح صوت الحرية.

أترك تعليقاً

التعليقات