عبدالرحمن العابد

عبدالرحمن العابد / لا ميديا -
كشفت تصريحات ترامب بشأن قناة السويس زيف مزاعم أمريكا وعملياتها حول تأمين الملاحة في البحر الأحمر. قال ترامب بشأن قناة السويس: «يجب السماح للسفن الأمريكية، العسكرية والتجارية، بالمرور مجاناً عبر قناتي بنما والسويس. القناتان ما كانتا لتوجدا لولا الولايات المتحدة الأمريكية».
المهم بالنسبة لنا في اليمن أن تصريحات ترامب كشفت زيف المزاعم حول ذريعة “تأمين الملاحة البحرية” التي رددوها؛ فإلى جانب وقوف أمريكا مع “إسرائيل” وحمايتها من الهجمات التي تقع عليها من اليمن دفاعاً عن إخوتنا في غزة، يؤكد التصريح أن العمليات العسكرية الأمريكية في اليمن تهدف إلى عسكرة البحر الأحمر والتحكم في مضيق باب المندب.
فليس من قبيل المصادفة أن يتحدث ترامب عن احتلال بنما للسيطرة على قناتها، ثم يشن العدوان على بلدنا تحت ذريعة تأمين الملاحة وباب المندب، ويتضح من هذا كذلك أنه قام بتهديد إيران بذريعة البرنامج النووي، وهو يرغب في السيطرة على مضيق هرمز، وأخيراً ها هو الآن يتحدث عن قناة السويس. أما بالنسبة إلى مضيق جبل طارق فهو في يد بريطانيا.
هناك عدة أسباب وراء هذا التصريح، منها:
أولاً: نعود إلى تسريبات تطبيق “سيجنال” التي تحدثوا فيها عن الحرب على اليمن، حيث قال نائب الرئيس الأمريكي ووزير الدفاع ومستشار الأمن القومي إن الأوروبيين ومصر يجب عليهم دفع تكاليف الحرب، لأنهم المستفيدون من العمليات العسكرية هناك.
وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها مصر ولا تستطيع أن تدفع نقداً، قد تكون هذه الطريقة -وفق ما ترى أمريكا- وسيلة لدفع التكاليف بشكل غير مباشر.
ثانياً: يسعى ترامب إلى إيجاد طرق تجعل البضائع الأمريكية أرخص من البضائع الصينية، من خلال تقليل التكاليف الإضافية التي تنعكس على قيمة السلعة، مثل رسوم مرور السفن في القنوات والمضائق الدولية ومنها مصر وبنما.
ثالثاً: يهدف ترامب من خلال تعزيز هيمنة أمريكا على القنوات والمضائق، إلى إيقاف خطة “الحزام والطريق” الصينية.
رابعاً: يسعى للضغط على مصر للموافقة على خطة تهجير سكان غزة إلى سيناء، ما يشير إلى استمرار المخططات في هذا الاتجاه.
خامساً: يهدد استثمارات مصر ويجعل أسواقها في حالة من الارتباك، بالطريقة نفسها التي يستخدمها ترامب في أسواق أمريكا للضغط عليها للابتعاد عن الصين وروسيا ومجموعة “البريكس”.
سادساً: إرغام مصر على المشاركة بالعمليات العسكرية في البحر الأحمر ضد اليمن، ضمن محاولات إيجاد حشد وتأييد دولي للعمليات الأمريكية المستهجنة عالمياً باعتبارها قراراً فردياً لترامب، تم دون موافقة الكونجرس ومجلس الشيوخ حتى في الداخل الأمريكي لا تأييد لها.
لكن، هناك عواقب عديدة قد لا تعجب ترامب إذا سعى إلى تنفيذ خطته لإعفاء السفن الأمريكية من رسوم مرور قناة السويس. فمصر ملتزمة بمعاهدة القسطنطينية الموقعة عام 1888، التي نصت على: “حرية الملاحة في قناة السويس، وأن تبقى القناة مفتوحة في زمن السلم والحرب ما يضمن حرية الملاحة للجميع”.
كما ألزمت المعاهدة التعامل مع جميع السفن بالآلية نفسها، دون تفضيل أو تقديم امتيازات لدولة على حساب أخرى في زمن السلم أو الحرب.
هذه النقطة مهمة جداً؛ إذ إن طلب ترامب إعفاء السفن الأمريكية من الرسوم قد يحرر مصر من التزامات “معاهدة القسطنطينية”، ما يمنحها الحق في تحديد الرسوم وفق رؤيتها الخاصة، وقد تستغلها الدول الكبرى الاخرى مستقبلاً ضد أمريكا.
على سبيل المثال: قد تمنع مصر السفن التي تحمل بضائع لإثيوبيا من المرور، أو ترفع تكاليفها بدرجة كبيرة كرسوم، على خلفية أزمة سد النهضة بين البلدين... وعليها قِس.
كما يمكن أن تحدد مصر رسوماً مخفضة للدول التي سفنها بعدد أكبر من غيرها، بينما ترفع الرسوم على الدول ذات المرور الأقل، وفقاً لقانون العرض والطلب، والمستفيد الأكبر من هذا ستكون الصين. 
والأهم فيما يخصنا: أن تصريحات القيادات العسكرية الأمريكية مؤخراً، سواء وزير الدفاع أو رئيس الأركان أو حتى الرئيس الأمريكي ترامب نفسه، وكذلك التقارير الصحفية بالمواقع والقنوات الأمريكية، قد كشفت تناقضاتهم وزيفهم حول مبررات عدوانهم، وألجمت أدواتهم في المنطقة من دول التطبيع وعرّت مرتزقة الداخل كلياً؛ فخفتت أصواتهم وتبددت نشوتهم التي كانوا يظهرونها عند كل كبيرة وصغيرة تحدث ويريدون تأكيدها بالباطل.

أترك تعليقاً

التعليقات