كلهم أساطير.. ووحدكم الحقيقة
- محمود ياسين الأحد , 8 ديـسـمـبـر , 2024 الساعة 12:06:33 AM
- 0 تعليقات
محمود ياسين / لا ميديا -
لا محاربو الساموراي، ولا فرسان الملك آرثر... لا أبطال مؤتة، ولا اليرموك... لا بايزيد الصاعقة، ولا قبائل الزولو...
ما الذي قد يقوله آخيل لنفسه وهو يصغي لضربات وزمجرات الفلسطينيين؟! سينحني ليحدق في "عقبه"، الذي هو نقطة ضعفه، ويبقى على وضعيته تلك منحنياً أمام مقاتلين كل جرح فيهم نقطة قوتهم، وكل بديهية ألم مبعث جسارة.
ما الذي سيخطر لهيكتور الذي صد عن طروادة وهو يسمع عن مانع الصد المهول؟!
كيف يمكن لمقولة القائد الأسطوري: هذه ساعة الذئاب والدروع المحطمة أن تبدو إزاء حطام الميركافا وقد جوبهت بفلسطيني قُدَّ مِن فولاذ أعتى، فولاذ تكثف على مدى سبعين عاماً من المظلومية، وسبعة آلاف سنة من التجذر في التراب، التراب الذي تخثر في بطنه دم الأسلاف ممزوجاً بدموع الأمهات.
تبدو كل الأساطير مجرد نزهة سردية إزاء التغريبة الفلسطينية. وتنسحب كل مصادمات الجيوش وأصوات ارتطام الأسنة بالدروع والخوذات إزاء هذه اللحظات، اللحظات التي يرتطم فيها رجل بمدرعة، اللحظات التي يشتبك فيها مقاتل وناقلة جند، اللحظات التي يمكن فيها لمحارب أن يلوي عنق دبابة!
بقيت كل الأساطير مبعث فخر وارتياب في مدى واقعيتها؛ أما أنتم فقد أحلتم المروية إلى عرض حي، والأسطورة المحكية من أفواه العجائز وانتزعتموها حتى من صفحات الكتب وسيناريوهات الأفلام ومنحتموها صوتاً من ارتطامات صدور الرجال بصفائح الدبابات وتهشم الفولاذ، صوتاً نسمعه كل يوم، هو مزيج من انفجار في قلب العدو وحشرجة حنجرة مغطاة بالدماء تنطق الشهادتين وتمضي لنصغي بعدها للمهابة والهيبة والجلال والجمال!
لا جمال في الموت ابتداء. بشع في أنين الأطفال وفي أطرافهم المعلقة على حواف الجدران. لكن الأب الفلسطيني منح الموت جمالاً أخّاذاً وغواية وسبيلاً وحيداً للخلود.
كل مرويات العالم بقيت صالحة للسرد؛ أما أنتم فلا يمكن أن يسرد مرويتكم غير الفولاذ. الفولاذ وحده من اختبر قبضة الفلسطيني وحرارة دمه. أنتم أعظم من حارب عبر التاريخ الإنساني برمته. وأنتم أكثر أخلاقية حتى من الأخلاق.
القول باحتمالية هزيمتكم وإخفاقكم في تحرير بلادكم مشروط بالجزم أن غاندي لم يحدُث، ولم يتواجد رجل بهذا الاسم يوماً! مشروط بأنه ما من مقاومة فيتنامية حقيقة، ولا صراع ضد العنصرية في جنوب أفريقيا، وأنه ما من حكومة وطنية هناك، ولا أحد من جنوب أفريقيا رفع قضية أمام محكمة الجنايات الدولية وكسبها وحوّل عدوكم إلى مجرم دولي ملاحَق... ذلك لم يحدث!
لم تحدث بدر. لم ينتصر مظلوم شجاع يوماً على ظالم متوحش. لا توجد قوانين فيزياء. يجب أن يتم إنكار معادلات الطاقة والكتلة.
احتمالية هزيمتكم نسخة من احتمالية: انفجرت قنبلة نووية في بكين وتسببت بمقتل ثلاثة أشخاص وإصابة تسعة بحروق!
أنتم الآن أكثر حقائق التاريخ المستقبلي صميمية وجوهرية. وأنتم اللحظة المتحرك الوحيد الذي يدرك العالم برمته يقيناً إلى أين يمضي. أنتم الآن رد اعتبار لكل مذلات المنطقة، وردم للفجوة المربكة في الذهن الإنساني بين مدونات حقوق الإنسان وتطبيقاتها. أنتم الآن كرامتنا كأمّة... والباقي مجرد تفاصيل.
المصدر محمود ياسين
زيارة جميع مقالات: محمود ياسين