الرواية تظل للأبد بينما تُنسى المقالات
- محمود ياسين الأربعاء , 27 نـوفـمـبـر , 2024 الساعة 12:23:50 AM
- 0 تعليقات
محمود ياسين / لا ميديا -
أكتب وأقوم بالتعديلات ورغم الإجهاد في هكذا تعديلات أتذكر ما قاله يوسا من أن لذة العمل الروائي في المرحلة الثانية، يقصد الحذف والإضافة ومنح الرواية نغمتها الأقرب للكمال.
كان ديستويفسكي يفكر بحسرة في آخر أيامه لو أنه قام بتعديل عبارات كثيرة من رواياته، وأفكر الآن في تساؤل حول إلى متى أظل أنفي تهمة الغرور الذي يبدو من خلال حديثي عن يوسا وديستويفسكي وكأنني واحد منهم.
ثم يخطر لي تساؤل آخر: هل كان علي أن أولد في براغ مثلا، ويكون اسمي ميلان بدلا من محمود الذي ولد في رجاح، وذلك لكي أتمتع بالأهلية الكاملة للتواجد في العالم الروائي بجدارة؟
قال ماركيز مرة إنه عليك ألا تكتب بتواضع، ذلك سيبقيك كاتبا متواضعا على أية حال، ولقد صادف وليم فوكنر مرة أحد الكتاب المتواضعين وهو يقول إنه سيكتب قصة لأهالي البلدة فذلك ما يمكنه، بينما كان فوكنر يضمر كتابة رواية للعالم، وحصل كل منهما في النهاية على ما أراد.
أتدرون يا أصدقائي لماذا أكرر هذه اللكنة كلما كتبت؟ أقصد تجدونني أكتب عني وأقول كنت.. وكنت.. وفعلت..؟
تلك هي لكنتي الوجودية منذ وعيت العالم، ولقد عرفت لاحقا أن هذا مزاج روائي أيضا، وكوني يمنيا الآن فأنا لست ملتزما بالتواضع الروائي.
أيا يكن ما قالته «تبادل الهزء» وما التقطتموه والانفعالات التي تمكنت من مشاركتها معكم أو القدرة والإخفاق في منحكم حكاية يمنية وتنويعات فنية، إلا أنني ممتلئ بذلك الحس القاهر لكوني سأهمس في أذن العالم يوما بمروية يمنية توضع بعين الاعتبار وفي المكان اللائق بتجربة إنسانية جديرة بالشغف.
ولا أغفل هنا أن أصواتا كثيرة قالت: أنا العزي، وكانت تلك أعظم تحية تلقيتها وقد أرضتني تماما، «أنا العزي» هي كانت هدفي ورجائي وأنا أكتب لكم تبادل الهزء، ولقد فكرت بها كثيرا وبحماس مفرط ومنتش، كيف يغلق أحدكم الرواية مع آخر عبارة فيها ويردد جملة «أنا العزي».
السياسة يا أصدقائي مضنية مخاتلة وتجعل أحدنا متملقا لذهنية ما ويتورط في تلبية التوقعات، بينما في العالم الروائي ما من تسويات ولا حذاقة ولا تبرئة ساحة بموقف صارم، إنها المكان الذي تتجول فيه بكامل أناك، عار ومتضرر ومتهكم وصوتك يخرج منك لا من الضرورة والخندق.
أنجزت إلى الآن ثلاث روايات بعد تبادل الهزء، لكن السياسة لا تدعني مع أبطال رواياتي نتحدث بهدوء، أفكر أن بلادنا تتداعى وكيف لي أن أبدو بهذا الاسترخاء لأنهمك في عوالمي الروائية، لكنها هكذا أناي ووجوديتي الآن.
وإن لم أتعرف ككاتب سياسي لنهاية هذه الحكاية المأساوية إلا أنني أحاول بالمقابل سرد نهاية حكاية يمنية أتمكن فيها من تجنب ما داهمنا في الواقع.. ذلك أنه وأيا تكن نهاية الحكاية الفنية إلا أنها بالتأكيد لن تكون بقسوة ما تخطه الأسلحة من نهايات شنيعة غالبا أقاوم قدر السلاح بإنسانية الفن.
ربما لن يترتب على ما أكتبه من روايات أي مجد وقد لا يصغي العالم يوما لمروياتي، لكنني سأسرد بلا توقف، ذلك ما يبقيني قادرا على التنفس.
المصدر محمود ياسين
زيارة جميع مقالات: محمود ياسين