عقيق
 

مهدي علواني المشولي

هنا كل الأحبة سكنوا..
في جولد مور أو في ساحل أبين.. في البريقة وحقات أو على شواطئ فُقُم أو ضفاف الغدير..!
في كل بقعة منها نقش حب يزين ذوائب رملها والسواحل..! 
وصوت وجد يغني حنين الأزمنة..! وتبكي أمواج صيرة صدى أوجاعه وشجونه..!
مدينة لا تبكي أوجاعها..
مدينة غسلت أدران كل العابرين بدمعها، واغتسلت بملح خليجها..!
مالحة هي دموع مدن البحار. 
لكنها عدن.. عذب المآقي في العيون الندية..!
عذب اللما في ثغر كل عابر..!
كل غريب مر من هنا أو كان هناك..
رامبو الشاعر وتاجر الجلود والفحم الحقير الذي لم يطق حرَّها ولم تطق هي رائحة جلوده وعفونة جلدته، في شعره شيء منها. وأدونيس.... كانت له فيها آيتان.. والكابتن هنس وفكتوريا.. وكل الطامعين كانت لهم شهدا مشتهى..!
جورج حبش ورفاقه.. الطرابلسي والصفدي ..
جعفر حسن وغنائياته.. الولد زاكي وحكايته مع العم منصور الفلاح، ونهايته المأساوية مع بحرها الهائج وهو ينقذ ابنتيه.. 
الأبنودي وكارلوس.. النقاش والعسال وأبو زهرة ونجم والشيخ إمام.. سميح القاسم ودرويش.. وكل دراويش اليسار ساسة ومفكرين ومنظرين وفنانين ومطاردين ومشردين الأحياء منهم والأموات.. جميعهم كانوا بالأمس هنا..
مروا من هنا أو سكنوا هناك..!
فرس وهندوس.. شوافع وزيود، وبدو الجبال وجبالية اليسار..!
 صانعو الرغيف والرشوش، حاملو الفؤوس والمناجل وأوجاع الشوارع وأثقال الموانئ وتعب وحر الرصيف..!
 مدينة حوت كل الأجناس والأديان والأعراق، ولم تتذمر يوماً، ولم تشتك أوجاعها! 
لبلقيس هنا حدائقها، ولأوسان مناراته وصهاريجه، وللوجوه السمر وكل الجياع منازلهم من القش وصفيح الزنج في كل حي في حافون كانوا أو في حي البساتين أو هناك حيث البحر يقبل أقدامهم.. على ضفاف البريقة وعمران..!
مدينة كل ذاق منها وشرب..
ومن شهدها ارتوى..! 
مدينة حوت كل الأجناس والأعراق والأديان، وتحملت كل أوجاعهم، ولم تتذمر يوماً، ولم تشتك أوجاعها.. لكنها الآن لم تعد تطيق أوجاع جحافل الموت وكائناته الغريبة التي تجتاحها ببيادات بداوتها، وتغزوها بقنابل الموت والأحزمة الناسفة..!

mash3667@gmail.com

أترك تعليقاً

التعليقات