عقيق
 

مهدي علواني المشولي

على مرمى حجر منها، مر كل العالم.
عبر طرق هذه الأرض وحضارتها ومضيقها المائي، جرت مياه معظم حضارات العوالم القديمة والحديثة. 
على بعد خطوة واحدة فقط من إحدى الجزر اليمنية المطلة على بوابة البحر الأحمر وامتداده شمالاً وبقية جزرنا المنتشرة كاللآلئ في مياهنا الإقليمية في عرض بحر العرب وخليج عدن جنوباً، والمتحكمة والرابطة لمعظم خطوط الملاحة الدولية العابرة للقارات وعوالم محيطاتها وبحارها السبعة، مرت كل حضارة العالم القديم وسلعه التجارية.. وحتى اللحظة مازالت ناقلات القار لدويلات الخليج النفطية - والتي قد لا يساوي مجموع مساحات بعضها، حجم مساحة جزيرة واحدة منها - تبحر على مقربة منها، تحميها ودويلات حقولها النفطية؛ أساطيل الغرب وترسانتها الحربية الحديثة.. ومازالت تجارة عالم الشمال الغني وعالمه الصناعي الجديد، وسلع دول الهيمنة الرسمالية في العصر الحديث على عالم الجنوب الفقير، تمر بالقرب من تلك الجزر المهيمنة بإطلالتها على ذلك المضيق المائي الرابط لكل قارات العالم، وليس لها أي مناص غيره، للعبور نحو أسواقها العالمية في مختلف أصقاع مشارق الأرض ومغاربها.
سنوياً، أكثر من 21.000 قطعة بحرية وناقلة عملاقة، محملة بملايين الأطنان من النفط والبضائع، تمر على مرمى حجر من جزيرة ميّون اليمنية المطلة بموقعها الاستراتيجي على مضيق باب المندب، وبقية الجزر اليمنية الأخرى في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن، وهو ما أعطى اليمن بعداً آخر في مسارات التحكم بالملاحة الدولية، وفي نفس الوقت تضاعفت الضغوط السياسية عليها بالزج بها دوماً الى فوهة الصراع الدولي بالتدخل العسكري المباشر واحتلالها حيناً، أو بالتدخلات السياسية الخارجية في شؤونها الداخلية حيناً آخر، الأمر الذي انعكس على الاستقرار السياسي والاقتصادي لبلادنا في كل مراحل الصراع العالمي وعصوره المختلفة.. هناك بيت شعري يلخص مدى صعوبة الحكم السياسي في اليمن، ويستشهد به كل السياسيين والعارفين بتشعب مساراته السياسية، يقول:
(... ومن نكد الدنيا عليك وأتعسها 
أن تركب الليث أو تحكم اليمنا)
ومن منح الله على هذا الشعب - التي لم يحسن استغلالها حكامه، واستكثرها عليه الآخرون، ولم يتركوا له فرصة التمتع بها - أن وهبنا الحياة في بلد يمتاز بموقع فريد بين الأمم، فأصبح حكمه من الداخل أو التحكم به والهيمنة عليه من الخارج - على صعوبتها - محل أطماعهم، الأمر الذي انعكس سلباً على استقراره سياسياً واقتصادياً، في مختلف الحقب التاريخية والسياسية الماضية، وازداد سوءاً في العصر الحاضر حينما ابتلي هذا البلد بجيرة دويلات نفطية لم تكتفِ باستقطاع أراضيه وجزره، وحاددته عليها، وساومته على جزره فترات ضعف مراحله السياسية، بل عملت بشتى السبل والإمكانيات، نيابة عن الخارج المحتمية به، على استغلال ظروف هذا البلد وشعبه، وإرغامه دوماً على البقاء تحت خط الفقر، كلما حاول النهوض واستعادة مجده وحرية استقراره السياسي للعيش بندية وكرامة بين الأمم. 
ومنذ افتتاح قناة السويس 1869، وربط البحر الأحمر بحوض المتوسط، وعالم المحيطات والبحار السبعة، ازدادت أهمية المضيق، وازدادت أهمية جزرنا اليمنية، وحجم الأطماع العالمية للسيطرة عليها، وليس العدوان السعودي الأمريكي الذي تتعرض له بلادنا في هذه الفترة العصيبة، إلا امتداداً لتلك الأطماع، وتعبيراً صادقاً عن أهمية الموقع الاستراتيجي الذي تمتاز به اليمن، وما عسكه عليها من مآلات، وما تتعرض له من عداوات منذ حباها الله بهذا الموقع الجغرافي والاستراتيجي والسياسي الفريد في الجنوب الغربي من قارة آسيا.

أترك تعليقاً

التعليقات