عندما يفقد الحدس
 

أحمد عارف الكمالي

أحمد الكمالي / لا ميديا -

يتكيف الناس مع الباطل القوي، لدرجة تجعلهم يستقبلون أفظع وأدنأ وأخطر ما يرتكبه كأمر طبيعي ومعقول. 
فبوهم المعرفة يتقبلون أفعاله القاتلة، وبمبرر عدم التعويل لا يقيمونه على حساب الواجب، وبسبب الخوف يدفنون رؤوسهم في الرمال مهما كانت أقواله اللامنطقية مستفزة، ومهما كانت أخلاقه الظاهرة معيبة، ومهما طفت فضائحه المخزية إلى السطح!
هو سيئ ولكن لا يعترضون، هو مسرف ولكن لا علاقة لهم، هو يضر بمصالحهم ولكن لا يرفضون، هو ظالم ولكن لا يثورون..!
أموالهم ماله، مصيرهم بيده، وتاريخهم السحيق طول شاربه، وأرضهم الواسعة تحت وسادته!
لو نفذ واجباً يسبحونه على الهبة، ولو صادف حسنة واحدة يمجدون بها سيرته، يهتفون باسمه نفاقا، ويمسحون نكباته تزييفا!
كيف أتى؟! وبماذا يحكم؟! ومع من يتعامل؟! ووو.....، كل شيء طبيعي، كل شيء منطقي وكل شيء يمكن التعود عليه وتقبله، لأنه باطل قذر قوي ومهيمن تعودوا عليه هكذا، ولو كان الشيطان ذاته!
في وسط هذا الانحطاط، ولأن الحياة سنتها التدافع، يبدأ الحق في المجابهة، وقبل أن يتمكن من الوقوف في وجه الباطل، تبدأ النفسيات المنكسرة في جلده، يتصيدون عثراته، يضخمون أخطاءه، ويستقبلون أصدق ما يقدم بريبة وشك وتوجس!
وبوهم المعرفة نفسه يستبعدون نجاحه، وبمبررات العجز يتخاذلون عن نصرته، وبسبب الخوف يتركونه ليواجه مصيره!
يقيمونه على الصراط المستقيم، وينتظرون منه المعجزات الخارقة، ويحملونه وزر الخطوب المحدقة!
هو صادق ولكن مزعج، هو عدل ولكن الواقع لا يدعمه، هو كريم ولكن الظرف لا يناسبه!
لا ينسون له عثرة، ولا يغفرون له زلة أو هفوة، ولا يذكرون له مأثرة!
يستقبل الخيبات لأجلهم ويسخرون، ويتفانى بحبهم ويعقون، ويتلاشى في سبيلهم ولا يكترثون!
يعرفونه جيدا، فمن وسط عذابهم ولد، ومن وسط تعاستهم عبر، ومن أعماق آهاتهم صرخ، ومن أغلال قيودهم تمرد... ولكنه مكلف، شاق، يتطلب تضحية وصبراً ومخاضاً وتحولاً وتغييراً، لذلك هو غير مرغوب فيه ولا يطاق، ولو رفعت رايته الملائكة.
في هكذا ظروف وهي الأغلب، لا ينقص الناس علم أو ثقافة بقدر ما يفتقرون إلى الحدس والدراية.

أترك تعليقاً

التعليقات