الجمهورية.. ملكي أنا
 

أحمد الحسني

أحمد الحسني / لا ميديا

بالحيرة والغيظ أحيت فضائيات الإصلاح ذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر. وبطريقة تبعث على الضحك وتدعو للإشفاق بذل مذيعوها ومحللو الأجر اليومي من ضيوفها جهداً مضنياً في التحليل والتعليل والتنقيب عن سر احتفاء حكومة الإنقاذ وأنصار الله بالمناسبة.
لم يطرأ استثنائي يدعو للحيرة، ولم يكن ثمة جديد يستدعي استنفار جوقة سهيل وأخواتها كل تلك النباهة المفرطة في تحليله وتأويله ومعرفة دوافعه واكتشاف غوامض خباياه وخفايا أسراره، فإيقاد الشعلة في العاصمة والاحتفاء بالمناسبة أقيم هذا العام كما أقيم في العام الماضي والذي قبله وقبله، كعادته منذ ستة وخمسين عاماً، لم يعلن أحد نفسه ملكاً، ولم يلغ أو حتى يعلق دستور الجمهورية اليمنية ولم ترفع في يمن الصمود غير رايتها. ولكن جوقة العته الجمهوري من مرتزقة أسوأ الملكيات الاستبدادية الذين يرفعون في مناطق سيطرتهم كل الرايات القذرة إلا راية الجمهورية اليمنية مولعون بمحاربة طواحين الهواء والزعيق والربق هذا العام بأنا احتفلنا والعام الماضي بأنا لم نحتفل.
 حالة ذهان وبلطجة مدفوعة الأجر، لكنها تعكس ما رسخته العقود الستة الماضية عملياً من مفهوم مشوه في الوعي العام عن الجمهورية مخالف لأهداف الثورة ودستور الجمهورية، فبدلاً من مفهومها المتعارف عليه كنظام جوهره المواطنة المتساوية ويقوم على الجماهيرية وعدم التملك الخاص للسلطة، رفعت رايات التملك الخاص للجمهورية منذ أيامها الأولى، مذهبية وسلالية وتبعية خارجية تقوم على ربط الآخر بالملكية وإقصائه، أدت مع أسباب موضوعية أخرى إلى حرب أهلية استمرت 7 سنوات لم يستقل أي من طرفيها بمذهب أو سلالة أو حتى ولاء خارجي، وإنما كان في جبهة الملكية كما في جبهة الجمهورية الشافعي والزيدي، القحطاني والعدناني، ما يعني أن رايات التملك كانت كلها زائفة، وتمت المصالحة على حصر الإقصاء الرسمي في أضيق نطاق، نطاق الرئيس الإرياني الذي يحرم أسرة الإمام يحيى حميد الدين من المواطنة وكل حقوقها.
لقد كان حتى هذا النطاق الضيق من الحرمان كافياً لاستمرار الحرب لو لم تتنازل أسرة الإمام يحيى عن حقوقها لصالح حقن الدماء اليمنية.
 لقد كان هناك وما زال خلل في مفهوم أو على الأقل في تطبيق المغايرة بين الملكية والجمهورية، فالملكية تقوم على أساس التمييز الإيجابي لصالح أسرة وسلالة وحكر السلطة عليها، والجمهورية تقوم على عدم التمييز وعلى المواطنة المتساوية وليس على التمييز ضد تلك الأسرة أو السلالة وحرمانها من حقوقها السياسية، فهذه صورة من صور الملكية الاستبدادية وليست جمهورية. إذا كانت الإمامة الزيدية تجعل السلطة في البطنين وكان الإمام قبل الثورة هاشمياً، فالجمهورية تعني أن الهاشمي وغير الهاشمي سواء في الحقوق السياسية والجلوس على رأس السلطة في البلاد، وليس منع أي هاشمي من تولي رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء إذا كان مستحقاً لها بكفاءته أو فاز بها في انتخابات حرة ونزيهة، وهذا ما نصت عليه أهداف الثورة ودستور الجمهورية، لكن ذلك لم يحدث على أرض الواقع منذ ستة عقود، وإنما فصلت الممارسات والدوامغ وأضرابها للجمهورية ثوب سلالية وملكية قحطانية يسهل لكل متبطل ارتداؤه قائلاً: الجمهورية حقي، وسل سيف القمع لمعارضيه باسمها أو التسول على عتبات النضال الوهمي والتكسب بسفك دماء اليمنيين وتمزيق بلادهم. منذ عبدالرحمن البيضاني وحتى جوقة حماة الجمهورية الجدد المتسكعين في فنادق الرياض وأبوظبي والدوحة وإسطنبول والقاهرة أو الدائرين كحمار الرحى على فلك الحيرة في استديوهات الفضائيات يحلون لغز احتفالنا الاعتيادي بالذكرى السادسة والخمسين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر.

أترك تعليقاً

التعليقات