كيف أربكت إيران موازين القوة في المنطقة؟
- محمد الجوهري الثلاثاء , 17 يـونـيـو , 2025 الساعة 1:33:24 AM
- 0 تعليقات
محمد الجوهري / لا ميديا -
كان يُفترض أن ينتهي آخر خطر وجودي يهدد الكيان الصهيوني يوم 17 سبتمبر 1978، مع توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» بين الرئيس المصري أنور السادات والعدو الصهيوني، حين أُخرج العرب رسمياً من معادلة الصراع، وترك الشعب الفلسطيني وحيداً يواجه آلة الإبادة التي لا تزال تنهش وجوده منذ نكبة 1948.
غير أن يدَ الله سبقت كيد السياسة، فجاءت الثورة الإسلامية في إيران بعد أقل من خمسة أشهر، في 11 فبراير 1979، فمزّقت الحسابات، وأربكت التوازنات، وأعادت إحياء محور المقاومة بعد أن ظن الصهاينة أن الميدان قد خلا لهم. وكان ذلك النصر الإلهي مصداقاً لقول الله تعالى: «وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ».
ومنذ اللحظة الأولى، أعلنت الثورة الإيرانية موقفها الصريح من الكيان، فقطعت كل صلاته التي كانت موصولة بنظام الشاه، ورفعت راية العداء السياسي والعقائدي له، وجعلت من دعم فلسطين -بالموقف والمال والسلاح- التزاماً ثابتاً لا يخضع للمساومة. وهكذا، انطلقت مرحلة جديدة من الصراع، لا تشبه ما قبلها، تُدار فيها المعركة باسم الأمة، لا باسم الأنظمة، وباسم المبادئ، لا باسم المصالح.
وهنا تجلّت آية أخرى من آيات الله في مسيرة هذا الصراع، حيث يقول عز وجل: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ».
فالخطر الذي حسبوه قد انطفأ، عاد مشتعلاً من حيث لم يحتسبوا، وأصبحوا -منذ انتصار الثورة- في عذاب سياسي وعسكري وأمني متصل، لا ينقطع.
ولم يكن ذلك يروق لـ»إسرائيل» ولا لأعوانها في المنطقة، فشنّوا على إيران حرباً مركّبة: شيطنة إعلامية، وعقوبات اقتصادية، وضغوط دبلوماسية، وتجييشٌ إقليمي تقوده أنظمة الأعراب الأشد كفراً ونفاقاً. وكان بإمكان طهران أن تختار طريق السلامة؛ لكنها اختارت طريق الكرامة.
اختارت أن تكون «أُمّة» لا «دولة عادية»، وأن تكون في قلب المعركة لا على هامشها، وأن تدفع ثمن مواقفها في الدنيا، لا ثمن خنوعها في الآخرة.
ورغم الحصار والتآمر، رسمت إيران مشروعاً استراتيجياً لمناصرة فلسطين والمقاومة، فخصصت جزءاً من موازنتها لدعم الشعب الفلسطيني، ووقفت إلى جانب لبنان في وجه العدوان، وأنشأت «فيلق القدس» ليكون ذراعاً عالمياً للمستضعفين، كما أنشأت «حرس الثورة» ليكون درعاً للثورة في وجه التهديدات الداخلية والخارجية.
وقد كان لهذه المسيرة قائدها الفذ، الإمام روح الله الخميني، رضوان الله عليه، الرجل الذي أعاد للسياسة طُهر العقيدة، وللثورة طابع الرسالة، وحوّل الشعارات إلى فعل، والوعود إلى واقع.
فلم يكن مجرد زعيم لبلد، بل كان أباً روحياً لأحرار الأمة، وصوتاً صادقاً في زمن الكذب الجماعي.
ولأن الرجل كان كبيراً بحجمه، كانت حملات التشويه أكبر، وبلغت شيطنته حدّاً جعل اسمه وحده كابوساً لليهود وأتباعهم في الخليج، حيث انقلبت الأولويات، وأصبح الدفاع عن الكيان فريضةً قوميةً باسم «الخطر الإيراني»، متناسين أن ذلك «الخطر» قد انتهى يوم سقط الشاه، وأن إيران ما عادت تطمع في أرضٍ ولا تخترق سيادة، بل تطمح فقط إلى تحرير القدس.
يكفي الخميني شرفاً أنه أرسى معالم مشروعٍ سيظل حياً حتى زوال الكيان. وكل فصيل مقاوم، وكل صاروخ يُطلق، وكل رعب يسكن «تل أبيب»، هو بعض من غرس يده.
ورغم رحيله، لا تزال إيران تسير على خطاه، وهيبته تظل ترفرف على جمهوريتها، كظلٍّ مبارك يسبق الخلاص الكبير، بإذن الله.
المصدر محمد الجوهري
زيارة جميع مقالات: محمد الجوهري