هل يعتبر العرب بمصير زيلينسكي؟
- محمد الجوهري الثلاثاء , 4 مـارس , 2025 الساعة 2:30:35 AM
- 0 تعليقات
محمد الجوهري / لا ميديا -
لم تكن أوكرانيا سوى أحدث ضحية لنهج الولايات المتحدة في استغلال حلفائها لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، قبل أن تتنصل منهم وتلقي بهم إلى مصير مجهول. الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي تبنى سياسة التصعيد ضد روسيا وفق التوجيهات الغربية، وجد نفسه في موقف مهين داخل البيت الأبيض، عندما واجه نقداً لاذعاً من الرئيس دونالد ترامب ونائبه جي دي فانس، واتهامه بتوريط واشنطن في حرب لا شأن لها بها. المفارقة أن الرجل لم يكن سوى منفذٍ للأوامر الغربية؛ لكنه عندما أصبح عبئاً، تخلى عنه داعموه كما فعلوا مع غيره من قبل.
ما حدث لأوكرانيا ليس استثناءً، بل هو نموذج متكرر في السياسة الأمريكية، حيث تسعى واشنطن لاستخدام الدول الحليفة كأدوات في حروبها الجيوسياسية، قبل أن تتخلى عنها بمجرد انتفاء الحاجة إليها. لم يكن زيلينسكي الأول، ولن يكون الأخير.
في أفغانستان، كانت الولايات المتحدة الداعم الأول لمن وُصفوا بـ»المجاهدين» في الثمانينيات، حيث سلّحتهم وأمدتهم بالمال والسلاح لقتال الاتحاد السوفييتي. لكن بمجرد انتهاء الحرب الباردة، تحولت هذه الفصائل إلى أعداء، وشنت واشنطن حرباً مدمرة ضدهم، انتهت بانسحابها المهين من كابل عام 2021، تاركة الحكومة الأفغانية التي دعمتها لسنوات تواجه مصيرها وحدها.
وفي العراق، دفعت واشنطن الرئيس الراحل صدام حسين إلى الدخول في حرب استنزاف ضد إيران استمرت ثماني سنوات، دعمت فيها الولايات المتحدة والعواصم الغربية بغداد عسكرياً وسياسياً. لكن بعد انتهاء الحرب، تغيرت الحسابات، ووقع العراق في الفخ الأمريكي بعد غزوه للكويت عام 1990، حيث انقلبت عليه واشنطن وفرضت عليه حصاراً اقتصادياً قاسياً، ثم احتلته عام 2003، وأسقطت نظامه بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل، وهي الذريعة التي ثبت زيفها لاحقاً.
أما المملكة السعودية، فقد كانت أبرز مثال على هذا النمط من التلاعب الأمريكي. فمنذ شنها العدوان على اليمن عام 2015، تلقت الرياض دعماً عسكرياً واستخباراتياً غير مسبوق من واشنطن، وشجعتها الإدارة الأمريكية على مواصلة الحرب تحت ذريعة مواجهة النفوذ الإيراني. لكن مع طول أمد الصراع، بدأت الانتقادات الأمريكية تتزايد، وبدأت الضغوط على السعودية لوقف الحرب، بل إن واشنطن نفسها أوقفت صفقات تسليح كانت تقدمها للرياض، وكأنها لم تكن شريكاً في الحرب منذ البداية.
لا يختلف الحال كثيراً مع نظام الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، الذي كان الحليف الأبرز لواشنطن في المنطقة طوال ثلاثة عقود. لكن عندما اندلعت ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، رفعت عنه الولايات المتحدة الغطاء السياسي، وتركته يسقط في غضون أيام، رغم أنه كان ينفذ السياسة الأمريكية بحذافيرها لعقود.
اليوم، يجد زيلينسكي نفسه في مواجهة المصير ذاته، بعدما بات يُنظر إليه كعبء على الغرب، تماماً كما حدث لحلفاء أمريكا السابقين. وما جرى له ليس مجرد حادثة فردية، بل هو نمط متكرر في السياسة الأمريكية تجاه حلفائها، حيث تستخدمهم كأدوات مؤقتة، ثم تتخلى عنهم فور انتهاء دورهم.
ختاماً، يجب أن نتساءل: هل سيتعلم العرب من تجارب الآخرين، مثل زيلينسكي؟! أم سيستمرون في الانجرار وراء سياسات قد تؤدي إلى توريطهم في صراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟! إن الدول التي تراهن على الدعم الأمريكي يجب أن تدرك أن هذا الدعم مشروط بالمصلحة الأمريكية فقط، وأن من يعتمد على واشنطن في تحقيق أمنه أو استقراره قد يجد نفسه في لحظة ما وحيداً في مواجهة العواقب، تماماً كما حدث مع أوكرانيا، والعراق، وأفغانستان، والسعودية، ومصر، وغيرها من الدول التي استخدمتها أمريكا لتحقيق أهدافها، ثم تخلت عنها عندما انتهت صلاحيتها.
المصدر محمد الجوهري
زيارة جميع مقالات: محمد الجوهري