فلسطين معيار التحرر
 

محمد الجوهري

محمد الجوهري / لا ميديا -
تحاول وسائل إعلام غربية وعربية تصوير ما يحدث في اليمن على أنه ‏مجرد «نعرة سياسية» أو «تصعيد غير محسوب»، متجاهلة حقيقة راسخة في ‏ضمير اليمنيين: أن إسناد غزة والدفاع عن سكانها المحاصرين هو مطلب شعبي ‏جامع يتخطى الخلافات السياسية والانتماءات الحزبية. في الواقع، إنّ ما ‏يحدث في اليمن من حراك شعبي لنصرة فلسطين يعكس وجدان الشعوب ‏العربية قاطبة، مقابل صمت رسمي لأنظمة خاضعة للهيمنة الأمريكية وتغلف ‏مواقفها بشعارات «حماية المصالح الوطنية».‏
في المحافظات الواقعة تحت الاحتلال السعودي - الإماراتي، يُمنع اليمنيون من ‏الخروج في مسيرات تضامنية مع غزة، وتُقمع الفعاليات المؤيدة لفلسطين، ‏رغم أنها لا تطالب سوى بأبسط معاني التضامن الإنساني. هذا الواقع دفع ‏الآلاف إلى قطع مسافات طويلة، تصل إلى مئات الكيلومترات، نحو ‏محافظات السيادة الوطنية، فقط للمشاركة في فعالية أو مسيرة شعبية تعبّر عن انتمائهم ‏العربي ورفضهم للصمت والتواطؤ.‏
إن هذا السلوك العفوي النابع من عمق الوجدان الشعبي يثبت أن اليمنيين، ‏كغيرهم من الأحرار في العالم، لا يمكن أن يغضوا الطرف عن المظلومية ‏المستمرة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ عقود. ولولا العراقيل التي ‏تفرضها قوى الاحتلال الداخلي، لكان اليمن من أقصاه إلى أقصاه حاضراً ‏كل أسبوع في فعاليات داعمة لغزة، كما فعل في أكثر من مناسبة طيلة فترة ‏الحرب.‏
أما مواقف أنصار الله المشرفة فهي ليست وليدة حسابات سياسية، بل هي امتداد ‏طبيعي لانتمائهم إلى صفوف الشعب اليمني، بعيداً عن أجندات الخارج أو ‏المصالح الحزبية. لقد أثبتت الوقائع -وآخرها عملية «طوفان الأقصى»- أن ‏من يدعم فلسطين فعلاً هم الشعوب الحرة وقواها المقاومة، لا الأنظمة التي ‏تسير بتوجيهات غرف القرار في واشنطن و»تل أبيب».‏
وموقف أنصار الله ليس استثناءً؛ بل ينسجم مع خط المقاومة في لبنان والعراق ‏وإيران، حيث لا يزال العنوان الأهم هو «تحرير فلسطين». وعلى الجانب ‏الآخر، تصطف أنظمة التطبيع والقمْع العربي، المدعومة من الغرب، في ‏طابور الصمت والتبرير، في ظل قصف المستشفيات والمدارس والمساجد في ‏غزة.‏
ولا عذر لمن يتخاذل عن نصرة غزة، فالخنوع بذريعة الخوف على مصالح ‏المواطنين هو الخيانة والنفاق بذاته، فالشعوب نفسها تطالب بالتدخل ومناصرة ‏غزة، وهي على استعداد لتحمل التكاليف، خاصة وأن عواقب التخاذل كبيرة ‏جداً، وأولها غياب الحرية والخنوع للطواغيت.‏
لقد بات واضحاً أن الموقف من فلسطين هو البوصلة الحقيقية التي تفرز ‏الأحرار من الخانعين. فبينما تصرخ غزة تحت القصف، تتسابق أنظمة إلى ‏التطبيع، وتفتح أجواءها لرحلات الاحتلال، وتغلقها أمام نداءات الغوث. تلك ‏الأنظمة لم تعد تخشى شعوبها؛ لأنها استبدلت بهم القمع والدعم الغربي. ولهذا ‏فإن واشنطن تحرص على بقائهم؛ لأن سقوطهم يعني عودة الشعوب الحرة إلى ‏المشهد، وتحرير فلسطين سيكون أول خطوة في الطريق.‏

أترك تعليقاً

التعليقات