رشيد البروي

رشيد البروي / لا ميديا -
«جوهرة» هي إحدى المخلوقات النسوية التي أراد الله لها أن تبقى مع والدتها، بعد أن عصفت بهم الأقدار إلى منطقة «نقم» بالعاصمة صنعاء!!
درست «جوهرة» إلى الصف الثاني الابتدائي في مسقط رأس والديها بمنطقة «الحزم- الجوف». لا تتذكر سوى أنها من تلك المنطقة وأنها انتقلت مع والدتها إلى صنعاء بعد ضربة جوية استهدفت منزلهم في «الحزم»، وعلى إثر تلك الضربة توفي أبوها وشقيقها الأصغر فيما أصيبت هي وإخوتها ووالدتها إصابات خطرة نقلتهم جميعاً إلى صنعاء. أما قطيع الأغنام والأبقار ومزارع ومنزل والدها فصارت كلها في خبر «كان»!!
منذُ الصباح الباكر تخرج «جوهرة» من أحد الدكاكين تسكنه في «نقم»، وتتجه صوب منطقة «عَصِر» مع أختها لتعملا في بيع «اللبان والمناديل والولاعات» للناس المارة والمستريحين على سياراتهم في سفوح تلك المنطقة!
تعرضت المئات من النساء للموت في بلدنا، لكن هناك من تعرضن للموت البطيء. وهاتان الفتاتان ووالدتهما لسن إلا قصة من آلاف القصص التي أحدثتها الحرب بحق أبناء اليمن!!
بـ»زنتها» المزركشة وحشمتها اليمنية الريفية، المطوية على عنقها ورأسها، بشرتها «الجوفية» وابتسامة ثقيلة تعكس ملامح طفلة بريئة يظهر عليها العرق الأصيل والعائلة الكريمة المصونة. كانت «جوهرة» تتكلم وهي سعيدة جداً بما تقدمه من نشاط تجاري تعود بفائدته على أمها. ليس من السهل تقبل رؤية أنثى جوفية تعمل في بيع المناديل وماتزال في عمر الزهور، لكن الحرب تجبرك على تقبل أعظم من هذه القصص، استرسل صديقي في محادثتها، فوجدناها ضحية من ضحايا الحرب التي تجبرك على البكاء دون توقف!!
«لا أعرف أبي إلا خيال. مات مقتولاً بضربة طيران، لم يكن أبي حوثياً ولا مع التحالف، كان مزارعاً بسيطاً، ويعمل في رعي الأغنام والجمال والأبقار التي فقدناها كلها كما فقدنا أبي، وحتى بيتنا فقدناه تماماً. أعمل أنا وأختي هنا في بيع هذه الأشياء لكي نعيش. أمي في البيت ونادراً ما تخرج، فنحنُ لسنا من بنات الشوارع، لا أحد يعطينا مساعدات، والمنظمة التي أرادت أن تعطيني طلبت من أمي بطاقة شخصية، وأمي ونحن لا نملك غير أرواحنا، والحمد لله أننا نجونا بأرواحنا...»!!
 في الوقت الذي أردنا أن نستأنس أنا وصديقي في قمة «عَصِر» جاءت تلك الغيمة السوداء التي حولت «جوهرة» من طفلة جوفية ورائعة الجمال إلى امرأة عجوز لكن في العاشرة من عمرها، تحمل هموم الدنيا على كتفيها، لم تعد تطمح للدراسة كـ»بنات صنعاء»، بل لم تعد تفكر فيها ولا حتى بحياة كريمة، بات همها هو كم المحصول الذي ستحصل عليه من خلال تجارتها المتنقلة بين السيارات الواقفة!!
ليس من السهل تقبل وجود طفلتين متشردتين تبحثان عن لقمة العيش في شوارع صنعاء، وليس من السهل تقبل وجود المئات من «جوهرة» يعشن القسوة والظلم والقهر والجعجعة والذل والمهانة والفقر والحاجة...!!
ثم يأتي من يحسب نفسهُ محللاً سياسياً ليقول مستغرباً: ما الذي جعل التحالف يفشل في اليمن؟! ما الذي أسقط الجوف في أيدي أنصار الله؟! إن ما ارتكبه طيران التحالف بحق أطفالنا ونسائنا لا يمكن أن تنسيه صفقة سلام عابرة أو فتات مساعدات إنسانية سعودية بائرة. من لم يخسر ابنه أو ابن قريبه أو منزله أو أمواله في هذه الحرب عليه أن يخرس ويلتزم الصمت، فهناك من ينام موجوعاً ودموع القهرِ والحزن تتصبب من جبينه طوال 7 سنوات!!
يا من تمتلكون رؤوساً لا يستفيد منها حتى الحلاق عليكم أن تعرفوا أن المجازر التي ارتكبتها السعودية في حق أبناء اليمن لن نغفرها حتى لو غفرها الله!!

أترك تعليقاً

التعليقات