حزب الله وأمنيات الواهمين
 

غالب قنديل

غالب قنديل / لا ميديا -

يتنقّل خصوم المقاومة وحلفها الوطني اللبناني بين الرهانات والفرضيات كمن يتعلّق بحبال الوهم. في كلّ مرحلة يخترعون رهانا خارجيا، يعلّقون عليه صنارة أوهامهم. وقد تمحورت رهاناتهم منذ عقود حول وجهة السياسة الأمريكية وتحولاتها، لإنشاء حساب افتراضي يُتوّجونه باحتمال التخلّص من حزب الله وحلفائه بمساومة أو صفقة سياسية، إذا استعصى وهمهم المفضّل بإمكانية تنفيذ ضربة صهيونية قاضية، برهنت الأحداث على استحالتها.
أولا: تتركز رهانات خصوم حزب الله في الداخل اللبناني على السياسة الأمريكية وتأثيرها المحتمل في المعادلة اللبنانية، وهم ينتقلون اليوم إلى التعلّق بحبال الوهم على النتائج المفترضة لتفاهمات أمريكية إيرانية محتملة، يتمنون أن تفضي إلى صفقة يتم بموجبها تقليص قوة حزب الله وفاعليته السياسية والعسكرية، ناهيك عن قدراته وإمكاناته التي يستمدها من الدعم الإيراني.
إن هذا الوهم الافتراضي يؤكد الجهل التام بطبيعة العلاقة بين حزب الله وطهران، التي هي أبعد ما تكون عن الاستتباع.
ومشكلة المرتبطين بالأوامر الخارجية الدولية والإقليمية، أنهم يُسقطون نمطية ارتهانهم في تخيّل طبيعة التحالف بين المقاومة وكلٍّ من سورية وإيران، والتي هي في الواقع علاقة شراكة ندّية، تقيم وزنا خاصا واستثنائيا لتقديرات قيادة حزب الله وأمينه العام واجتهاداته السياسية والاستراتيجية في فهم الأحداث. والحكومتان الإيرانية والسورية تسألان عن رأي حزب الله وتقفان عليه في شؤون إقليمية عديدة، تتعدّى نطاق الملفات الإقليمية المشتركة وموقع لبنان من الصراع في المنطقة.
ثانيا: إن علاقة قيادة حزب الله بالقيادتين السورية والإيرانية هي شراكة استراتيجية كاملة، فيها ثقة راسخة عمّدتها التجارب الصعبة. كما أن فيها مقدارا عاليا من التقدير لحكمة سماحة السيد حسن نصر الله، الذي تحرص كلٌّ من قيادتي البلدين على الاستماع لمشورته ومعرفة رأيه في شؤون خاصة عديدة. وما بلغته درجات الثقة العالية بين القيادة الإيرانية وقيادة حزب الله يتخطّى ما يمكن أن يتصوره أيٌّ كان عن مدى الشراكة والثقة في كل شاردة وواردة. وإن كان البعض يفترض أن قيادة الحزب ملحقة بالأجهزة الإيرانية، فهذا دليل أميّة وجهل مطبقين وعجزٍ كلّي عن فهم طبيعة علاقة الحزب بالجمهورية الإسلامية.
إن من لم يختبر الشراكة المبنية على الاحترام في علاقاته لن يستطيع أن يستوعب خصوصية العلاقة بين حزب الله والقيادتين الإيرانية والسورية. إن علاقة الحزب مع إيران عقائدية واستراتيجية ومبنية على وحدة الانتماء إلى مشروع تحرّري يشمل المنطقة برمّتها، وهو قاعدة الفهم المشترك لسائر القضايا، وبصورة تعطي وزنا حاسما لوجهة نظر قيادة الحزب واقتراحاتها ومواقفها، التي تضعها القيادة الإيرانية في أولويات الاهتمام والمتابعة على جميع المحاور.
ثالثا: بالمستوى ذاته، ورغم الرابط العقائدي الوثيق، الذي يجمع بين قيادة حزب الله والقيادة الإيرانية ضمن إطار نظرية ولاية الفقيه، فإن العلاقة بين قيادة الحزب والقيادة السورية تعبّر عن شراكة كاملة والتحام كلّي في الموقع ذاته على جميع جبهات الصراع. وقد عزّزت السنوات الأخيرة الثقة العالية بين الجانبين، وفتحت مساراتٍ جديدة للعمل المشترك المتعدد المواضيع والعناوين والأطر، بعدما شارك حزب الله في معركة الدفاع عن سورية على الأرض السورية مباشرة، وهو يحظى بالاحترام وبتقدير خاص وشامل عند القيادة والدولة والشعب والجيش. فهذا التحالف الذي قدمت فيه سورية الكثير خلال العقود الماضية، يتحوّل اليوم إلى درجة أعلى من الشراكة ووحدة الجهد والقضايا المشتركة، بعدما تعمّد الصمودُ السوري بدماء مستشارين إيرانيين وشهداء من مجاهدي حزب الله، كانوا في مقدمة المدافعين عن التراب السوري ووحدة الأرض السورية، وعن سيادة سورية عندما عزّ النصير واشتدّت فصول المؤامرة على سورية وعلى استقلالها، الذي كان مجاهدو حزب الله يبذلون دماءهم وأرواحهم في الدفاع عنه، كتفا إلى كتف مع أشقائهم في الجيش العربي السوري.
إن الأثر السياسي والمعنوي الذي تركته السنوات الأخيرة في وجدان وضمائر السوريين بات ينعكس في حرارة العاطفة السورية تجاه حزب الله ومجاهديه وشهدائه، الذين يحظون باحترام سوري كبير، يتخطى حدود المجاملات واللياقات، بل هو مغروس عميقا في الوجدان السوري. وهذا ما سيولّد مفاعيل ونتائج على صعيد العلاقة السياسية بين حزب الله المقاوم وقيادة الجمهورية العربية السورية، ضمن إطار محور المقاومة، بعد معمودية الدم وقوافل الشهداء دفاعا عن سورية.

* كاتب لبناني.

أترك تعليقاً

التعليقات